حكى القاسم بن جريال، قال: عكفت أيام مواظبة الكفاء ومداعبة الأكفاء، ومعاندة العفاء، ومعاهدة الضعفاء، ومساومة الهيفاء ومداومة النعمة الوحفاء، على نديم زافر أعباء السخاء، نافر عن ركام الطبع والطخاء، يجود بغير الجفاء، ولا يدري ما شميم ريح الجفاء، متعرض للإعطاء غير متعرض بكشف الغطاء: الطويل:
فكان لي الجود الجموم وجوده ... أحب جموح جانح لإخاء
وكان لي الخل الخدين وخيره ... أحب رخاء خافق لرخاء
وكنت له الصنو الصدوق مصاحباً ... بصدق صلاح صادق وصفاء
وكنت له الحب الخفي محالفاً ... بفيح فلاح فائح ووفاء
قال: فأقمنا مدة ذلك الارتواء، نرتع في حدائق الانضواء، ونجتلي بين جدد الاجتراء، عروس البراعة العذراء، ولم نزل مع مصاحبة الاصطفاء، ومقاربة الوصفاء، ومعاشرة الشعراء، ومخامرة العشراء، ومسامرة الرؤساء، ومعاقرة لاحتساء، نرتضع أخلاف الإسداء، ونفترع إحقاب المودة، المرداء حتى امتزجنا لمباينة النواء، امتزاج الرحيق بالأمواء، والأعضاء بالدماء، والحور بملحم الظبية الأدماء، ولما انسكبت إسبال تلك الدلاء، ونشبت بيننا شصوص قرابة المقاربة والإدلاء، أقبلنا على الاصطلاء، بنار هاتيك الطلاء فما برحنا نمتطي ذروة غارب الغرابة والسيساء، ونحتسي صافي فصيح الفصاحة والكساء، ونختطف بخزائن اللغيزاء، أقداح القهوة المزاء، بمجلس واضح الاعتزاء، سام بازاء الجوزاء، مع عصبة قصروا ممدود مدد الرياء، واقتصروا على ورود ماء مآثر الأباء والتحفوا بمروط الوقاء، وأتحفوا المعاند بمقانب العنقاء، وألحفوا في إثارة الإثراء، لسد خلل خلة الفقراء: الكامل:
فكأنهم شربوا لبان فصاحة ... من قبل ما شربوا لبا حسناء
وكأنهم ركبوا متون بلاغة ... من قبل ما ركبوا مطا وجناء
تنتابهم حزق الوفود لأنهم ... وردوا الزلال بروضة غناء
حق لقد طربوا بنأمة سائل ... من قبل ما طربوا بصوت غناء
فبينما نحن نعتور فوائد الظرفاء، ونعتمر ربوع صفاء الانكفاء في ليلة مخلولة النداء، محلولة الأنداء، مغلولة العياء معلولة الضياء، مشلولة الأعداء، مسلولة الرداء، حسنة الحواء، مستملحة الاحتواء، عميقة الشواء مستقيمة السواء، إذ شد شادينا أوتار الغناء، وقد بإطرابه أعناق العناء، وقال: الكامل:
كأس لها سجد النسيم وأسفرت ... في الكأس تجلى في أجل وطاء
شمطاء يلثمها الفتى ومن رأى ... حدثاً يقبل وجنتي شمطاء
قال: فآل بنا الطرب إلى الإغماء، وأمال لإطرابه جوانب الغماء، ولما عني بقطع أغنيته العنقاء، وغنى بما أغنى عن نغمة الورقاء، تقدمت أوامر الأجلاء، بإعادة الجلاء، وارتادوا نديماً يمر تلو هذا الولاء، ويجر إليه ثناء هذيا الولاء، فتجرد كل لعناق فكرته الزجاء، وأحجم إحجام قامعة يوم مواقع الهيجاء، وبينا نحن نرجو قنص مشاكهته العنقاء، ونسدم لفوت عرق وزيرة الغرض والانتقاء، طرق باب الفناء كف لم يخل من خيانة القرناء، قد اشتار علقم الدهاء وطار بأجنحة ريحه الورهاء، وقال: الكامل:
راح لها ارتاح الحكيم لكونها ... في الراح راح حشاشة الأحياء
حلت بها راح المسيح فأصبحت ... حصن الحياة وراحة الأحياء