روى القاسم بن جريال، قال: رمتني حين عفت الأحيان، وخفت حلول الحمرة بحرم ألحيان، وصلفت البسلة والحلوان، إلى مدينة حلوان، كفة منجنيق القدر المتاح، وكفة سحيق السفر المباح، وأنا يومئذ قرين الهراوة، خدين البداوة مرثوم الأخمصين من النعال، لعدم الانتعال، لا أجد سوى الأنجاد بجادا، ولا أستنجد لجلل الأمجاد نجاداً، فلم أزل أقابل لقصدها قبائل المخاوف، وأقاتل بوخدها مقانب الخوف الخائف، إلى أن عرفت بمكابدة المكائد، وألفت شيم مشابكة الشدائد، فد خلتها د خول الطائر المبهوت، ووصلت إليها وصول موسى إلى الخضر بعد مفارقة الحوت، فحين حللت وضين الأثقال، وأقبلت على مقاطعة عواتق الانتقال، جعلت أتقلب على طنافس المعاقرات، وأتذبذب إلى مجالس المسامرات، واجترح ملح المحاورات، وأصطبح في خمار المخامرات، حتى تزكرت بالنكت تزكر الوعاء وتذكرت النيرب تذكر الخنساء، فلما أرهف القلق شفرة الشوق وشام وسامر ناظري بأرق الشام وشام، طفقت أتطلب مواطن الركاب، وأتقرب إلى أرباب باب الارتكاب، فأخبرت أن السبيل محسومة أسباب أسبابه، لاختلاف عراب أعرابه، وقد حمل إلى سلطانها، وموطد أوطانها، رئيس شرذمة مشئمين، تحفاً يجاوز حدها المئين، ليمدهم بفرسان مستلئمين، فالتحفت بذلك الأزار، وتأهبت لابتياع الأوزار، وأحضرت عيبتي، المعدة لأيام أوبتي، فشحنتها بأسفار الدروس المأخوذة عن العلم المدروس، وأودعتها من الدراهم العظام، عدد عضل جسدي والعظام، ولما حللت بالجواء، تلو العصابة الجأواء، لاوياً إلى اللواء، مستعيذاً من نوازل اللأواء ألفيت، أفئدتهم لذلك الريح، مجبوذة بأزمة التباريح، فبينا نحن نتجوز البيد ونتدرع الجزع المبيد، لاحت لنا سرية، سابغة السنور مضرية، فماد الركب كشرب ارتضعوا المدام، واختاروا على الفشل الاصطدام، حين حملقت الصفوف، وحمحم الزفوف والصفوف، برزت كبكبة للنزال، ونادت نزال نزال، فالتحم الفريقان، وتوج القسطل جبين الزبرقان، وتعثرت بالعثير العقاب، وتغشمرت بعقبان العقاب العقاب، وما زال مجاج العجاج يحتدم، وأمواج الانزعاج تضطرم، وتبار الحذر يلتحم، وبنار المعركة يزدحم، حتى بار نار فاقدي السلاح، وثار ثار واقدي الكفاح، وفر السفر فرار السلمى، وذر الفرق وأسر الكمي، قال القاسم بن جريال: وكنت لحظت عند حدة القتال، وحدة القتال، ومعمعة الأقيال، ومغمغة الأقتال، رجلاً أشمط، كليث أضبط، وذئب أمعط وأيم أرقط، على فرس أنبط ضافي الشليل يتدفق تدفق السيل السليل، تخاله بين قواضب الأعداء، ومغابن النثرة الحصداء، كالعملس العداء، تحسبه بذلك السربال، المحشو بالنبال، كالأسد الرئبال، لا يلجأ إلى الثغور، ولا تخطئ سهامه ثنايا الثغور، يطير طرفه من النشاط، ويسبق سهم ممتطيه قبل مس السراط، فما فتئ يقدد قدود المناكب، ويخدد خدود المواكب، إلى أن سقط طرف لفامه، وقنط لده بعد انضمامه، فألفيته بعدما مر يمري مهره ويستوشيه، وطر أبكر الظعن بحواشيه، الفارس القيسري، والمداعس القوسري، أبا نصر المصري، فجعلت أعجب من قتاله، وشدة إقباله، ولم أزل أتلو، أكساءهم، وأقفو أقفاءهم، لأنظر مآل العرجة، في طلب الحرجة، حتى دنوت إلى أماكن مراحهم، ومراكز رماحهم، فأخذت أخب بأخبيتهم وأجول بين أبوبتهم، إلى أن رأيت أبا نصر المصري قاعداً على سرير الإمارة، تعرض عليه أمتعة السيارة، فتلثمت وجلت، ولثمت يمينه وقلت: شيد الله معالي الأمير الأروع الممير، ذي الوجار الشجير، والنجار المجير، ولا برح لكل خائف وزراً، ولكل حائف ذكراً، ولكل كئيب كبشاً ولكل سماء عظيمة عرشاً، أعلمك لا زلت على المكان، رفيع الأركان، ما غبطت الكرماء بالمعروف، وربطت الأسماء بالحروف، أنى ممن اترعت يم قذاته الأحزان وبرقعت وجه لذاته الأزمان، وأبلسه طلب التفضيل، وألبسه الفكر جل جمل الوجل والتفصيل، وجلية قصتي، وعدم إساغة غصتي، أنني رحلت بهذه القافلة، قافلاً لطلوع السعادة الآفلة، أسبل سرابيل العفاف، وأرفل في ثياب الكفاف، فابتزني زند وقيعتك الجرساء، وساعد سريتك الخرساء، جلساء تحوى الإصباح والإمساء، ولا تهوى إلى الإساءة مع من ساء، ادخرتها لجلاء الناظر، واجتلاء أبكار التناظر، تكلمني بلا لسان، وتصافحني بغير بنان، يفسدها الربع المسدود، ويصلحها الوعاء المشدود، أحملها وتحملني، وأجملها وتجملني، لا تمنحني إن مللتها هجراً