للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

روى القاسم بن جريال قال: نزلت بالبحرين بعد مكافحة الحين ومناوحة البرحين وأنا حينئذ خفاف ذفاف لا يلفني عفاف ولا يكفني إعفاف أخوض في غضارة مضية وأروض ذا نضارة مرضية يسعدني إسعاد القود واسوداد الفود ورواج الثواج وازدواج النتاج واحتواش المطاعيم وانتعاش الأناعيم مع رعاء أولى ثلة لبيع رغاء وثلة فلما ابتليت البوس وأبليت اللبوس وأزلت العبوس وزايلت العصبصب العبوس أقبلت استصحب الوشاء واستصبح الانتشاء وأبيع الشاء لمن شاء وحين عرضت الأثمان وأعرضت عمن نجش ومان، جعلت أتورد سلسل المساكن، وأتردد في ترجيح الساكن، إلى أن ساقني سنان القدر، إلى فندق واكف القذر، مملو من العير، محشو من الحمير، لا يسمع به سوى الشخير والنخير، والاختصام على الحقير الوقير، معروف بالمخانيث، محفوف بإخوان إبليس الخبيث، قد أحدقت به طفاوة الخبائث وعلقت به براثن الزمن العائث، فخلعت لباس التوقير، واستأجرت بيتاً كالقير، دون دور النقير، لظني أن سأرحل بعد ليلتين، كاسياً من مكاسب الصفقتين، فعسر الدهر ما قدمت لأجله، ويسر علي إقدام سح الضرر ونجله، فبينا أنا ببعض الليالي الطوال، أكابد أهوال الهذر الطوال، رأيت شيخاً مكشوف المنكبين، محفوف الشاربين، يمور بتلك الأحوية، مور الأهوية، ويضطرب بهاتيك الشية، اضطراب الأرشية، وقد أخذ مخنث بزيقه، وهم بتمزيقه، والشيخ يزعم أنه سمع حلحلته، وقد سرق مكحلته، والمخنث يدعى أنه خطف ميله، وقصده مقيله، فدنوت قيله إلى الباب، دنو الذباب، لأنظر في صياره، لمن يكون غلب تياره فألفيته الصل الحبوكري، أبا نصر المصري، فلما تعاصف ذاك الهبوب، وتكاثف بينهما ذلك الخبوب، خلع المخنث غلالتيه، ونهض قائماً بسوأتيه، وقال: إن كنت أيها الدويهية من الكاذبين ولست لمكحلتك من الغاضبين فمنيت بالصفو المفاصل، وأوجاع المفاصل، وانسداد الصراط، والسعال المقرون بالضراط، وانحلال الإحليل، واحتلال التحويل وأسقام الخبال وإلجام الرئبال، وإعراض الصريف، وأعراض الخريف وغسل الثياب، وعسل الذياب، ونتف العذار، ونزف الأقذار، واصتراط المنصل، ووطء أوراق أصول العنصل وصد النصير، وعد خيوط الحصير، والنواح في المآتم، والرواح في السحيق القائم، فقال له أبو نصر: بل إن كنت أيها الفويسق من الصادقين، وعلى اتهامك من المصدقين، فلا جمع بين مكحلتك والميل، وجرعك فقدان الغراميل، ورماك بحك الجتار، ولا قرن شراء تينك بالخيار، ونشر شرع مساويك، ونصر من يناويك، وجدع ما نتافيك، وقلع أعداء مالك من فيك، وأزعجك بشدة الأنين، وزوجك بالعاجز العنين، وأجج نياط قلبك أقطيقوس، ولا ولج باب ديرك الناقوس، وخفض من ردفك ما ارتفع، وملأ من جوف جفنك ما خفع، وقطع من ثوب غنجك ما رفل، وأطلع من شعر خدك ما أفل، ولا ذاق فم فخذك اللثق، طيب طعم ما مقلوبه أثق، وقوض حواء حسن كفك الكسير، وقيض لقلب يمينك حفظ باب التكسير: الطويل:

على أنني لو جاء ألف مخنث ... لسبي ولسبي خطتهم في نصاليا

فكيف تراني يا أخا الخزي والخنا ... وأخبث خلق الله عند نضاليا

قال: فلما رقدت عيون ذلك العوار، وخمدت ذوائب ذياك الأوار وبزغ الفجر المنير، وفارق عنق كل من ذلك النير، نهضا إلى والي مدرتهما، لإطفاء شرر شرتهما، محفوفين بكل زبال وحبال وطبال بطال تحيط بذلك القلاب، حزق الكلاب وتخيط خرق الحسن الساق، عساكر الفساق، وأبو نصر يتبرج تبرج متطاول، ويتدرج تدرج متطايل، ويتغترف تغترف سلطان ويتغطرف تغطرف شيطاني ليطان، وكنت هممت بأن أساعده على قبائل الفسوق، فخشيت أن يلحقني حدة سعر ذلك السوق، ولما وقفا بحضرة الوالي، وتهدفا للمصاع العالي، نظر الغلام نظر من نظر العين، ورجح على عقد الثلاثين التسعين، ثم قال: ليجهر كل منكما بدعواه، ولا يهجر في شنيع عواه، فازبأر أبو نصر وزأر، وحدج ذلك العكر وعكر، ثم أنه استنجع سحب فكره الثقال، واسترجع عاتق مقاله، وقال: الكامل:

يا والياً بسماحه ورماحه ... أحيا الرميم وحير الأحياء

وإذا تهدمت المكارم واعتدى ... صرف الزمان أفادها الإحياء

إني فقدت بحسن عدلك غادة ... تقني الحياء وتقنئ الأقذاء

وإذا خلوت بها آمنت بقربها ... طول الحياة وعيشك الأمذاء

<<  <   >  >>