قال: فلم نزل نصافح المسطار، وننتجع ذلك الأمطار، ونتسنم متون السروج، ونتنسم أخبار المروج للخروج، فبينما نحن ذات ليلة بمشربة وجارنا، تعتورنا عواتق عقارنا، ننهض لإصلاح الأسيد، نهوض السيد، ونبيض وجوه ذلك المشيد بتغريد الأناشيد، إذ طرقت حلقة الندماء، وقد ذرفت عيون السماء بالسماء، وسحت السحب بأنواع النيل، وعاين الشرب شرخ خيل الليل، فوثبت الأعبد إلى الطارق، وثوب المطارق، وقالوا: من الوارد في الغياهب ورود السلاهب، والوافد وفود المناهب مع لثق المذاهب للذاهب، فقال لهم: خامل سلافة وصاحب عيافة خفيف القرونة، كثيف المؤونة، يحشه المراح، وتحفه الأفراح، وبراحه الراح، فإن هدمتم، الغل الصراح، وعمرتم كعبة المرح والضراح، وتقبلتموني والراح، وإلا فالرواح الرواح، قال القاسم بن جريال: فلما ندرت أراعيل رياحه، وبدرت بوادر رعيل امتياحه، وطعمنا باكورة ثماره، وطمعنا في محاسن استثماره علمنا أنه ممن يروق ندمانه، ويروق براووق المنادمة إدمانه، فاستزدناه طلب الهوج، وأمرناه بالولوج، فدخل متسخطاً من الطين، متعوذاً من الشياطين خالياً من القطين، وبكفه كوب من اليقطين، يهدر هدير الشدقمي مفعوعم بالعقار العندمي، فقوبل بما به سلم، بعد أن ملك مقاليد إكرامنا وتسلم، ثم إنه نبس بما نبس، ونحا القبس وعبس، وجعل يجفف فروجه، وينشف فروجه، وينظف رداءه ويتأفف إذ بلل الوابل قفداءه وبعض القوم مرمون لاقترابه، مهمومون لقذارة قرابه، ملبون داعي إعماله، ملبون على إهماله لأسماله تصعر خدودهم لمزنده، وحبس مد ماء مدده، فلما شاهد من عبوس غضونهم، أنه بارز من زبونهم، وتحقق أن ذلك لضيق أكمامه، مع معرفتهم بسعة ثمار أكمامه، استخرج من وفضته المرماة ورشق بها هاتيك الرماة، وقال لهم: يا أرباب التنافس في الطنافس، والتقاعس لدى المنافس، ويلكم أتصادمون الصداع؟ وتعلمون اليرابيع الخداع، وتحتقرون من دب إلى داركم، وهب إلى ديم إدراركم، واسترى لهيب أواركم وامتري حنيذ حواركم، واكتحل بميل سراركم، واحتمل عسيب أسراركم، أف لمن يضيع نزيله، ويودع طعامه زبيله، ويحتذي وبيله ويجتدي أبابيله، ولئن رابكم حرج أكمامي، مع عدم كف كمامي، وساءكم سداد ابتسامي، مع در إبداعي السامي فأنتم كمن رضي بتوسعة ميدانه، مع تضييق رديانه، فما كل من احتمل المهند هند، ولا كل من تسربل المزند تزند، قال: فأقبلنا على لثم أعطافه، رجاء انعطافه، واحتملنا ذرور ذراره، خوف انثيال مدراره، فعند ذلك جمدت جداول كمده، وهمدت غوارب لدده وحمل مكنون مجاجه، وسمل مقل انزعاجه، وحاض فيض افتنانه، وفاض سح سيل استنانه، وأقبل يفض فضائل إبداعه، وينض خمائل اختراعه، ويتمنطق بالأحداق تمنطق المداعس بالدقاق، ويترنح بالانبثاق ترنح المفلت من الوثاق، وأنا مع شدة حذاره وصبغة عثنونه وعذاره، أرمقه باللحظ الجلي، وأنظر إليه نظر الشجي إلى الخلي إلى أن لاح سبج ثطط عارضه، وساح لجج شطط معارضه، فعلمت أنه أبو نصر العقربان، والعملس الثعلبان، الذي لم يزل مع الأحامس أمامي، وفي المناحس، إمامي، فقلت له: بالذي أظهر المقبور، وسير الدبور، ويسر سرور سابور، ألست رب الرسالة بنيسابور، فقال: بلى ومن شرف الزبور، وذكر الصنبور، ونصر الصبور، وأطلق المصبور ثم قال لي: يا ابن جريال ألم تكن شدخت لشومك شائم هذا المجال، وشمخت بخيشومك على الجريال بعد أن كان الورع يجتبيك، وطلاء الطلاء لا يطبيك، فكيف ارتضعت كؤوس خوابيك، وعطف قلبك على أبيك، قال: فلما شهدت شهاد ملاطفته، وخشيت أسود غطرفته، قالوا: من أين لك هذا الخليل الجليل، ومن أي الصواقع تسنى لك ذا الخليل الخليل، فقلت لهم: من خزائن الألطاف ومعادن الاستعطاف، ثم إني أخذت في مدح بستان يانعه، واستحسان حسان بدائعه، فلما رأوني مكثراً في امتداحه، مطنباً بوصف صحف صفاحه، قالوا لي: أتهرف بحلال فصاحه، وقد بتنا في حلال إفصاحه، وتمعن في امتداح مستطرفاته، وقد عجمنا صلابة صفاته، فخلنا لمناوحة هذه الفرق قبل القلق، واتركنا نكتل بهذا الفرق قبل إقبال الفلق، فإن مباحثته شفاء الغرام، ومنادمته دواء الداء العرام، قال الراوي: فلما سقته حمياً ثنائهم، ورقته من حرارة حمة ازدرائهم، قصد وصيدهم، وافترش صعيدهم، وآلى ألا يزيدهم، وذم لقتل حسين حرمته يزيدهم، فقالوا له: يا ذا البداهة الحسبانية، والفصاحة