قال القاسم بن جريال: فقلت له: هل لك في ارتشاف قرقف المرافقة، والاعتكاف بجامع هذه الموافقة، لنطفئ بماء المواصلة نيران البعاد، ونرفئ قارب المقاربة إلى ساحل قطع هذا الإصعاد، ونهزم بين أفياء الفتاء، عنترة عنبرة شدة هذا الشتاء، فقال لي: قسماً بمن يسر طيب هذا الإلمام، وبرقع برقعاً ببراقع الغمام، لقد نطقت بلسان مأربتي، وطرقت باب الأرب، بأنامل لبانتي وأشرت بما نشر لواء سعادتي، وخزق نبال الغرض بغرض إرادتي فأشرت رهطك من إذا زجرته تاب، أو هجرته انتاب، أو سللته جاب، أو سألته أجاب، ثم إنه مرج لتحصيل البيت، وإحياء قربنا الميت، وبيع الأدهم لشراء الكميت ولما أخذ في تحويل أداته وإصلاح لحمة الأدب وسداته، وشرع في نقل دوياته مع حسن أدواته، كنت بحمل جلائله من المجلين، وبقبلة مقابلته من المصلين، وحين حصل بها الخندريس واتصل بنا الأنيس، وبدت مسرتنا تميس، كأنها لميس، جعلت أكشف بها خمار المخامرات، وأضرب بصولجان الفكر كرة المذكرات، وأوقد مصباح مصاحبته في مشكاة مشاكهته وأسرح ببستان مناسمته آمناً من صرامة مصارمته، وأنصر خمائل عسرته، بنصر يمين الميمنة ويسرته، إلى أن دفؤ جسد الزمان، وورد من ديوان الزعازع توقيع الأمان، ولما انسلخ البرد انسلاخ الأرقم، وانفدخ الروض عن السوسن المزرقم، وتجلل الورد بغلائل الدم، وانجلا الشقائق في الوشاح المعندم، وطاب طلب التزاور والمزار، وأعلن بالدوح نوح الهزار، اقترحت عليه الخروج إلى بعض الحدائق في يوم مزن مشقق البنائق، مع صحابة صرموا وصال المصارم، وربوا بين خفق الألوية، وسل الصوارم تسمح بالهجان الأوراك، وتشمخ بأنف الأنفة على أولاد الفوارك: البسيط:
كأنما خلقوا من درة فعلوا ... فرق السماك بفضل فائض نضر
لا يلبس الباس قلباً في قلوبهم ... يوماً ولا انخفضوا من خافض وضر
ولما تخيرنا مقاعد الجلوس، وتحيرنا لصفاء تلك الكؤوس، أقبلنا نستوي على خلوف خلفة المفاخرات، ونشتوي سمك المكاسرة في لهيب نار حريق المحاورات، إلى أن اتصل بنا ما لا يعود بعسكه سدى، كقولك: أدبك بدا، قال الراوي: فأشار إليه من بحذائه بأن يحذو مواقع حذائه، فأقبل بوجهه إلي وقال لي: يا بن جريال، فز بحل إشاح هذا الضحضاح، وتوق لذع رماح مر الافتضاح، فقلت له: أنى مع صدا شدة النقصان، أحدث روحي باجتناء هذه الأغصان، أو ما علمت أن الإنسان أخبر بوسمه، وحسان أعرف باسمه، أفتفخر بين الأبيضاض؟ من أزاهير الرياض، خميلة خاملة، بل أظري فإنك ناعلة فقال لي: تالله لقد أصبت بنصال مصداقك، وقرنت بعذق المصادقة حلاوة أعذاقك، ثم إنه انكفت لاستخراج كمينه، والتفت إلى من عن يمينه، وقال: إلفك فلايا من يجوز الفلا فلا ثم أجج المناظرة لمصليه وأزعج ضرام المفاخرة لمصطليه، وقال: يا من بربع المعاني يلم، منتك لك تنم، ثم أرقل إلى مسليه، وأقبل يرمق من سيليه، وقال: يا من به قمر المعالي يتم من يمل لم ينم، ثم اسمهر طرفه إلى التالي، واستمر على ذلك التوالي، وقال: يا منعماً قد أطواق الشقاق وشق، قد بلاء إذا ألب دق، ثم لوى، ليته إلى المرتاح، واستوى استواء المرح المرتاح، وقال: يا ذا الذي شرف الشرب بلطف قد قرب، بحر سنا فنك كنف أنس رحب، ثم عطف للشادي العاطف، العطر المعاطف، وقال: إني لأعجب مع امتداد طيل تلافيك كيف يلذ لك، إذا كل ذلي فيك، قال القاسم بن جريال: ثم إنه نفحهم بنظمه المجيب، ومنحهم به على ذا النمط العجيب، وقال: الرجز: