فما، برحَُ يردِّدُها ويَنوحُ، ويُعلِنُ بحُرَقهِ وَيبوحُ، إلى أنْ تمكَّنْت من حِفظِها تمكَّنَ الأمكنِ، وانجلَتِ الجَوْنة في الجِلبابِ الأدْكَن، وحينَ تيَّسرتْ سحائبُ الانتحابِ، وانتشرتِ السيارةُ للانسياب، ألفيتُ شَيخَنا المَصْريَّ كارب ذاكَ القَراح، وَراكبَ رِكاب ذيّاكَ الاجتراح، وصاحبَ هاتيكَ الرياح وحاصب البصائر بحَرِّ ذلكَ النَّواح، ولمَا قمّصني ببصَره، واَقتنصني بمخَالب تَبصُّرهِ، ساءني تَعَبُ بالهِ، وتَمزيقُ قُنانِ سرباله، فأخلقتُه جبَّةً خلقتُها أيّانَ استراء النفائس، واجتناء بستان السَّناء المائس، فزالَ ما بجَفْنِ حاله مِنْ وسنٍ، وزادَ ما بطيبِ نُطقهِ من لسَنٍ، وتقبّلَها بقَبول حَسن، ثم قال لي: يا بنَ جِريالٍ قد أنضجَكَ مفتأدُ الغمائم، وأزعجَكَ سمامُ حيّةِ السَّمائم، فبادر إلى دِرياقِ الهُدونِ، واشكُر الدهرَ على إسدارٍ النفيس والدُّونِ، فأفِّ لحالك حالكَ، ومُلاحفةِ مُحالِكَ وارتحالكَ، وها أنا عازمٌ على أنْ أريحَ هذي المطيّةَ، وأطوي هذهِ الطِيّة بِملطيّةِ، فَهَلْ لكَ في المُقامةِ، لتحمِدَ خلوة هذهِ المقامة، ولا ملأ دورَ منادمتكَ حُوارا، وأكونَ لمعصَم كفِّ وصلتكَ سِواراً قلتُ: إيْ وَمن أعْذبَ زُلالَ هذا الالتئام، وعذَّبَ النِّعَمَ بمُجاورةِ أكُفِّ اللئام، لكنْ لا يكُنْ حَلَبُ وُدِّكَ فَطْرا، وفِعلُكَ في وابلِ قوِلكَ قَطْرا، فأطأَ بصبْرِ مُصابرتكَ صُبْرا، واعلم أنَّكَ لَنْ تستطيع معي صَبرا، فقال لي: لا أظهِرُ لَكَ سِرّاً، ولا أُضمِرُ لشُهْدِ شاهدتكَ شرّا، ولا أنكِرُ لأُمراءِ رأيكَ إمْرا، ستجدني إنْ شاءَ اللهُ صابراً، ولا أعصي لكَ أمراً، قال القاسمُ بنُ جريالٍ: فسِرنا مسرورين، على أضواء النيِّرْبين، إلى أنْ ولجناها مُدقعين، لا نملكُ شَيئاً من العَين، فلمّا أصطدمتْ عساكرُ الظُلَم وقَرِمت القرونُ إلى معاطاةِ الظُّلم أخذتُ أشكو إليه بُعْدَ الإفاقةِ، وطولِ بطء مفارقةِ الفاقةِ، فقالَ لي: يا هذا، ومن حبك المحامدَ حاذَى، أتنقمُ على قَدَر آذى، وتجعلَ لك الشكايةَ معاذَ، أفتطمع أن تدخلَ الفلكَ تحت رقِّكَ، لتجمعَ بين حذْقِكَ وسَعَةِ رزقك، فعدَ عَنْ قُبح هذا اللّقاح، وتُبْ إلى اللهِ من هذا الاتّقاح، وارضَ بمصاحبة الفقير واقتنَعْ بالتقَام الحَقيرِ النَّقيرِ، قالَ: فصبوتُ لعتابه ورجوتُ مِنَ اللهِ حُسْنَ مَتابه، وحين أحجمتْ جَحافلُ الإجحافِ، وأقبلتْ قبائلُ بَيْع اللِحافِ، قالَ لي: بعْ هذه النُّونَ، واشتر بثَمنِها شِيْعَ يوشعَ بنَ نونَ فعدْتُ به إليه، فاستجودَهُ ووضعه عليهِ، ثم إنّهُ تناولَ عصا الذُّهوبِ، وارتهشَ ارتهاش المرهوبِ، وقالَ لي: صِر من المُصَلِّينَ، لاستثمِرَ لكَ اليقطين واللينَ فتوخيتُ لِيانَهُ ورميتُ بنصلِ الإطاعة عصيانَهُ، وجعلتُ أسيرُ على أثَرهِ، وأعلمُ أن سأذوقُ لَسْعَ إبرهِ، إلى أنْ وِلَجَ ببابِ بيعتِها، وأعلَن بالسلام على أربابِ شِيعتِها، فحيّاهمُ تحية الرُّهبانِ، وتَبَرْنسَ في ذلكَ الجلبَانِ، فأقبلتْ إلى لقائهِ القُسُوسُ، وشُكرَ شَيْمُ قدومهِ المأنوسُ، ثم أَحلُّوهُ بُحْبُوحةَ هالتِهم، ومنحوهُ عُجالةَ إهالتهِم، فأقبلَ يُسمعهُم مِن مُلح ألحانهِ ما يفوقُ رياحَ ريَحانهِ، ويَسْكُبُ مِنْ سُحُبِ أسجاعهِ، ما حملَهُم على اَزديادِ انتجاعهِ، قالَ الراوي: فلمّا مزَّقَ قميصَ قَشْقَشَتِهِ وشقَّق شُقَّةِ شِقْشقتِه، وسدَّ سبيلَ قَسْقَسَتهِ، وقدَّ زبَيلَ سَقْسَقَتهِ، زمَّ شراكَهُ، ومدَّ للحِيَلِ أشراكَهُ، فاستمسَكَ كلٌّ بشِيعهِ، وعافَ شُرْبَ شَمول تَشْييعهِ، وقالوا له: نُقْسِمُ عليكَ بالسيِّدِ المسيح، والسندِ السَّليح، بأنْ تَبيتَ لَيلتَكَ بهذهِ البيْعةِ، بينَ أصحابِ هذهِ الشريعةِ، فقدِ اتفقَ زواجٌ لبعض أصحابنا، فاصحبْ صَحِبَكَ صَلاحُكَ كأصحابنا، لتَحُلَّ بحلولك البركة، وتستهِلَّ بنزولِكَ هذهِ الحركةُ فعدلَ إلى ما سأَلوهُ، وبذلَ لَهُم من فَهم الإجابةِ ما استبذلوهُ، والتمسوا أنْ يحضُرَ الزوجُ إليهِ، لتتمَّ عُقدةُ النكاح على يديهِ، فقال لهم: طاعةٌ لِمنْ أمر ولو أمرَّ، نهلُ أمرهِ وأمِر، وسأخطبُ بهذا الزواج، خطبةً سريعةَ الرواج، جميلةَ الصفاتِ، عريّةً مِنَ الإلفاتِ، يخضعُ لفضلِها النحريرُ، ويركعُ لِقبْلةِ سَلِس إفصاحِها الحريرُ، فأحبَّتِ المسامعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute