للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلمّا تجرى صبْرُ قلبي المكسور، تجزّى ضربِ الكسورِ في الكسور، وتضاعفَ هَمِّي لمفارقة الصِّحاح، تضاعفَ ضَربِ الصحاح في الصحاح، قصدتُ آمدَ بعدَما اجتديتُ الجامدَ، واجتبيتْ الحامدَ، وامتريْتُ الثاقب والخامدَ، عَل أن أجدَ لعُرام هذه الغاية معوانا، أو لغَرام غُلب هته الغابة أعوانا، فحين ألقيتُ بها هِراوتيَ، وألفيتُ البلدَ موافقاً لإعادة غَراوتي، حُدِّثت بطبيب دَرأ برداء الدِّرايةِ أعراضها وتدثَرَ أَثباج جُلِّ التَّجاربِ وراضَها، فأرسلت غلامي إليهِ، لأقُصِّ قَصصَ علّتي عليه فلم يكن إلا كنَشقةِ ناشق، أو شدة باشق راشقَ حتى أذنتُ له في الدخولِ، على الجَسَدِ الدارج المدخولِ، فحين قعدَ بازائي، واستحلسَ مَعْزائي، واحتملَ ذراعي، وجعلَ سنن الأدب يُراعي، ألفيتهُ شيخَنا المصريَّ ساحرَ الألبابِ، والساخرَ باللّبابِ فقلتُ لَهُ: إلامَ تَنهبُ الأذهانَ، وتمارسُ ما صَعُبَ وهانَ، وتُخْرجُ السُّبّحَ مع حركاتِها، وتُزعجُ الجُثّمَ في وُكناتها، فقال لي: خلني من شَظَفِ ظَرافتك، واشتغلْ عنِّي بفَيْض ضَفَفِ آفتك، وإنَي لراج أنْ أعالجَكَ وتُبلّ، واكتسبُ من ثَنائِكَ الحِل البلَّ، ثم إنَّهُ شرع لرفع شُرُع الأعلالِ وشرْبِ حَمْأَة طينة ذاكَ الخَبالِ فزالَ عني بجودة علاجه، ومداومة انعياجه، ما أعاني منَ المَرَض ومصاعبِ العَرض، ولم يزل مدَّة ذاكَ المُقام، والرُّسوبِ في سيب ذَلِكَ السَقام، ينشُرُ حُسْن حُزونه والسهولِ، ويَطوي الطمعَ عن وطنِ همتي المأهولِ، إلى أنْ غابَ عنِّي في يوم عظيم الزَّمهرير، وافر نباح الأهويةِ والهريرِ، فجعلتُ أكابِدُ لغيبتهِ ما أُكابِدُ، حتّى ضاقَتْ عليَّ بسَعَةِ أرجائها آمدُ، كُنَّا نستعينُ في ذلك السَّقَم، ومقاتلةِ قَنابلِ النِّقَم بجارٍ جميلِ اللّقَم، جَميلِ اللقم، يسعِفُنا بيواقيتِ افتنانه، ويَشغَفُنا بانهمارِ ماءِ امتنانه، فدفَع البابَ، ورجَّعَ الانتحابَ، فقصَدَ وصيفي الوصيَدَ، ليستعلم بأيِّ نقودِ صُروفِ الصُّروفِ صِيدَ، فلمّا جثَم لديَّ، وعطَّر بمجاورة أرجِهِ برْدَيّ، قلتُ لهُ: ما الذي أبكاك، وسكبَ كأسَ أذاك فأذكاكَ، فقال: اعلم أنَّ طبيبكَ الطَّمطامَ، وصارمَ صولتِكَ الصَّمصامِ، وردَ إليَّ في هذا اليوم، قبل إشالةِ فُرُش النوم وموجُ عبْرتِه يترقرقُ، وفوْجُ زَفْرته يتدفَّقُ، وجيوشُ أفكارهِ تتراكمُ، وأحبوشُ أحزانهِ تتزاحمُ، وقال لي: يا دواءَ الجُرْح الجائف، ورداءَ الحَرِجِ الخائفِ، أعلِمُكَ أنَّ خليلي، ومَنْ كانَ في الجَلَل خليلي، وبه يشتدُّ قِيلي، وإليه في الشدائد مَقبلي، قد دَرَجَ وفي شُعوبَ شعوبَ قد مَرَجَ، وما فتئَ مكفوفاً بإكرامك، محفوفاً بحللِ احترامك، وقد جئتُكَ قبل أن ينقرِضَ الجديدان، وتقرُضَ أديمَهُ مقارضُ الدِّيدانِ، فتخلَّقْ بأخلاقِ عبدِ المَدان، في هذا الميدان، وأنا أساعِدُ بما عليهِ أقوى، بعدَ ما اندرسَ رَسْمُ سَعْدهِ وأقوى، فساعِدْ بما بهِ تنهضُ وتَقْوى، وتعاونُوا على البرِّ والتقوى: الطويل:

فإنك ركنٌ يركَنُ الناسُ كلُهمْ ... إلى حالقٍ مِنْ حَولهِ غير حائرِ

رفيع منيعٍ حَيَّرَ الشّمَّ شأوه ... عزيزٍ حريزٍ جابرٍ غَيْر جائِر

<<  <   >  >>