للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حدّث القاسمُ بن جريالٍ، قالَ: شملني حينَ عصيتُ الاشتباهَ وأطعتُ الانتباهَ، وباينْتُ مياهَ مَاهَ، أحْويةُ حاضرِ حَمَاهَ، فجعلتُ بعدَ دَعِّ الباطل، ودَفْع الناطِلِ، ومخالطةِ القساطلِ، ومصادمةِ قُبِّ الأياطلِ، أَسْرحُ في نِعَم دائمةٍ، وهِمع داميةٍ، وسُوح سامية، وسروح سائمة فلمْ أزلْ أجود بمُجمَل الصحاح، وأستر تكملة الصلة فراراً من الإيضاح وأسمح لأرباب الأصول بجمل نهاية المحصول وأورد لطلاب المصالح، وأسود باصطحاب الجليس الصالح، إلى أن ذهب لجيني لحيني، ونضبَ ماء عينتي لعيني، ولمَّا ساءني مسامرة الانخفاض، وطيّرَ غربانَ فوري بُزاةُ الابيضاض، ورَبَضتْ بهُوةِ هالةِ هَواني، وقبضتُ توقيعَ العِزْلة منْ رواجبِ حواجبِ الغَواني، وألقتِ العذارى معاذيرَ بُغْضِها المُضاجِرِ، وجادت الجآذرُ بهَجر هجَّرَتْ بهِ هِجانُ الهواجرِ، وغطَّيْن عَنِّي الطُّلى بالمَعاجر، وفتحنَ أبوابَ القِلَى بعد سدِّ الكُوى بالمحاجر، أجريتُ دُرَّ دَمعي المَصُون، وبكيتُ بكاءَ الحمائم على الغصونِ، وكنتُ قبلَ انسدادِ بابٍ اقتداري، واحتدادِ نابِ الضّرر لانهدام دارِ مِقداري، مشعوفاً بجاريةِ شَرَيْتُها أيامَ الاقتدارِ، وجعلتُها عُدَّةً لكسرِ عساكر الأقدارِ، واعتقدتُ ديْنَ حبِّها عَيْنَ الاعتقادِ، وصيّرتُ أَهْجيراي لوصلِها هجر الرُّقادِ، فحينَ قضبَ قاضبَ الغِيَرِ أسبابُ الاكتسابِ، وكفر كافور الكِبَرِ إنابَ اشتدادِ الشبابِ، قوَّضَتْ خِيامَ طاعتي، ونَقَضَتْ جِدارَ مطاوعتي، فأمسيْتُ بعدَ مَسِّ سَمِّ إلحاحها الوحِيّ، وحَسِّ سَحِّ أعراضِها المَضرَحي، أنشد للشيب والفَلَس الرَديّ، بيتي ابن الحارث الكندي، وبَيْنا أنا في ظلِّ النَواعير، أتلقى زفيرَها تلقِّي العِيرِ، أضاهِي بأنيني أنينَها، وأحاكي بحنيني حنينَها ألفيتُ أبا نصرٍ المصريَّ معْ مِراحه الزخًّار، وحُلْوِ حديث مِسْحَلهِ السحّار يهتز هزة الأفنان، منطلقَ الاعتنان، وقد أبدَى نواجذَ أفراحه، وأردَى قبائل أتراحِه، فأقبلتُ إليه إقبالَ من سَجَر، وأهملتُ ما كانَ بينَنا شَجَر، وجعلْتُ أبُلّ بوصالِه النجَرَ، وأستلم يمينهُ استلامَ الحَجيج الحَجَرَ، فقال لي: يا ابنَ جريال ما الذي حمّلك أعباءَ المُحولِ، وحَملكَ على التحافِ هذه القُحولِ، فقلتُ لَهُ: طلوعُ طلائع المعاطبِ، وأفولُ وصال السُّرْعُوبةِ الكاعبِ، ثم انطلقت إلى أناسي، بعدَ سَمْلِ إنسانِ التَّناسِي، ولّما أبثَثْتُهُ حالي مع الرَّداح، وقاسمته مالي مقاسمةَ أبي الدحداح، أعرض عن الضخام والرِّشاق، وأَخَذَ في قَصِّ قَصص مصارع العشَاق، ليُسلَي حَبَّةَ قلبي المتبول، ويجلي بإخراجي من حبالِ تلكَ الحبول، ولم يزلْ يعدُني بفناءَ الليائل، ويُسْعِدُني بحديثِ عُشّاق الأوائلِ، ومع ذلك فمَسمعي شديدُ الرتاج، ومدمَعي زاخرُ الانثجاج، فلمَّا يئسَ من علاجي وأعضلَ داءُ الدّلَه وانزعاجي، وضربَ طبلُ رحيل النوم، وانسكب وبلُ وبيلِ اللَّوم، قالَ لي، وقد اسَحَنْكَكَ الغَسَقُ وعسا، وصَلبَ جَفن طولِ المجانبة وجسا: الكامل.

ما بالُ قلبك في الغَوايةِ غلَسا ... يا منْ تعلّلَ بالوصالِ وأبلسَا

رفهْ فؤادَكَ ما استطعتَ فإنَّما ... قَلبُ الذي يَحكي الغزالةَ قَدْ قَسا

واصبر ونَفسْ من همومِك ما نرى ... فعسَى يَرُقُّ فؤادُهُ القاسي عسَى

لا تطمعن فليسَ يبلغ قصدَهُ ... رجًلٌ يَبيتُ من الدراهم مفْلِسا

قال القاسمُ بنُ جريالٍ: فشفعتُ زفراتي بالنحيبِ، حتّى ضاقتْ بأرجاءَ الجوِّ الرحيبِ، ثم إنَي استعدتُه فآلَ، واستزدتُهُ فقالَ: الكامل.

كيف الدّنو إلى حَبيبٍ دَأبُهُ ... طول الصدودِ وإنْ تدانىَ طلمسا

ملكَ الجمالَ بصارم من عِزَّةٍ ... قبلَ المِلاح وفي الملاحةِ عرّسا

فبوجهه صُبْحُ الصبَّاحة طالع ... وبشَعْرِه ليلُ القِلى قد عَسعَسا

وبفدِّهِ وحسامه من جفْنه ... قَدَّ القُدودَ وطاعنَ القلب الأسى

ولريقه ركعَ المدامُ وخالِه ... سجدَ الظلامُ وتابعَ الصبحُ المسا

فكأنَّهُ وكأنَّ حُمْرةَ خَدّه ... مِسْك علا ورداً وجالسَ نَرجسا

<<  <   >  >>