للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ الصَّفَدِي: لم أره قطّ إِلَّا يسمع أَو يشْتَغل، أَو يكْتب أَو ينظر فِي كتاب؛ وَكَانَ ثبتا قيمًا عَارِفًا باللغة؛ وَأما النَّحْو والتصريف فَهُوَ الإِمَام الْمُطلق فيهمَا، خدم هَذَا الْفَنّ أَكثر عمره؛ حَتَّى صَار لَا يُدْرِكهُ أحد فِي أقطار الأَرْض فيهمَا غَيره. وَله الْيَد الطُّولى فِي التَّفْسِير والْحَدِيث، وتراجم النَّاس وَمَعْرِفَة طبقاتهم، خُصُوصا المغاربة، وأقرأ النَّاس قَدِيما وحديثاً، وَألْحق الصغار بالكبار، وَصَارَت تلامذته أَئِمَّة وأشياخاً فِي حَيَاته، وَالْتزم أَلا يقرئ أحدا إِلَّا فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ أَو التسهيل أَو مصنفاته.

وَكَانَ سَبَب رحلته عَن غرناطة أَنه حَملته حِدة الشبيبة على التَّعَرُّض للأستاذ أبي جَعْفَر بن الطباع، وَقد وَقعت بَينه وَبَين أستاذه أبي جَعْفَر بن الزبير وقْعَة، فنال مِنْهُ وتصدى لتأليف فِي الرَّد عَلَيْهِ وَتَكْذيب رِوَايَته، فَرفع أمره إِلَى السُّلْطَان، فَأمر بإحضاره وتنكيله فاختفى، ثمَّ ركب الْبَحْر، وَلحق بالمشرق.

قلت: وَرَأَيْت فِي كِتَابه النضار الَّذِي أَلفه فِي ذكر مبدئه واشتغاله وشيوخه ورحلته أَن مِمَّا قوى عزمه على الرحلة عَن غرناطة أَن يعَض الْعلمَاء بالْمَنْطق والفلسفة والرياضي والطبيعي قَالَ للسُّلْطَان: إِنِّي قد كَبرت وأخاف أَن أَمُوت، فَأرى أَن ترَتّب لي طلبة أعلمهم هَذِه الْعُلُوم، لينفعوا السُّلْطَان من بعدِي. قَالَ أَبُو حَيَّان: فأشير إِلَيّ أَن أكون من أُولَئِكَ، ويرتب لي راتب جيد وكسا وإحسان، فتمنعت ورحلت مَخَافَة أَن أكره على ذَلِك.

قَالَ الصَّفَدِي: وَقَرَأَ على الْعلم الْعِرَاقِيّ، وَحضر مجْلِس الْأَصْبَهَانِيّ، وتمذهب للشَّافِعِيّ وَكَانَ أَبُو الْبَقَاء يَقُول: إِنَّه لم يزل ظَاهرا.

قَالَ ابْن حجر: كَانَ أَبُو حَيَّان يَقُول: محَال أَن يرجع عَن مَذْهَب الظَّاهِر من علق بذهنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>