للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وطيب الغذاء واستعمال الأمور المقوية للأبدان والقلوب من أسباب طول العمر فكذلك صلة الرحم جعلها الله سببًا ربانيًّا؛ فإن الأسباب التي تحصل بها المحبوبات الدنيوية قسمان: أمور محسوسة تدخل في إدراك الحواس ومدارك العقول، وأمور ربانية إلهية قدرها من هو على كل شيء قدير ومَنْ جميع الأسباب وأمور العالم منقادة لمشيئته … ) (١).

* الوجه الثامن: استدل بهذا الحديث الجمهور من أهل العلم على أن العمر يزيد وينقص، فتكون الزيادة في العمر حقيقية، وهي زيادة بالنسبة لعلم الملك الموكل بالآجال، وأما ما سبق في علم الله تعالى وقضاه في الأزل فلا زيادة فيه ولا نقصان، وعليه تحمل الآيات الواردة بان الأجل لا يتقدم ولا يتأخر. وبه قال عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وأبو وائل، وكعب الأحبار، وجمع كثير وجم غفير -كما يقول الشيخ مرعي الكرمي في رسالته (٢) - وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (٣)، والشوكاني في "رسالته" (٤)، واستدلوا -أيضًا- بقوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (٣٩)} [الرعد: ٣٩] فإن هذه الآية عامة تتناول العمر والرزق والسعادة والشقاء وغير ذلك، ولا يجوز تخصيصها إلا بمخصص (٥).

كما استدلوا بقوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إلا فِي كِتَابٍ} [فاطر: ١١] فإن معنى الآية على ما يقتضيه ظاهرها: وما يعمر من معمر ولا ينقص من عُمُرِ ذلك المعمر إلا في كتاب، وهو اللوح المحفوظ (٦).

وذهب جماعة من أهل العلم -منهم ابن حبان وأبو العباس القرطبي


(١) "بهجة قلوب الأبرار" ص (٢١٣، ٢١٤).
(٢) انظر: "تفسير القرطبي" (٩/ ٣٣٠)، "إرشاد ذوي العرفان لما للعمر من الزيادة والنقصان" للشيخ مرعي الكرمي ص (٤١).
(٣) "الفتاوى" (٨/ ٥١٦)، (١٤/ ٤٩٠ - ٤٩٢).
(٤) "تنبيه الأفاضل على ما ورد في زيادة العمر ونقصانه من الدلائل".
(٥) انظر: "إرشاد ذوي العرفان" ص (٥٥)، "تنبيه الأفاضل" ص (١٣).
(٦) انظر: "إرشاد ذوي العرفان" ص (٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>