للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والنووي- إلى أن العمر لا يزيد ولا ينقص، واستدلوا بمثل قوله تعالى: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} [المنافقون: ١١]، وقوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: ٣٤]. وبحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه … وفيه: ثم يبعث الله ملكًا، ويؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله ورزقه وأجله، وشقيٌّ أو سعيد" (١).

وأجابوا عن الأحاديث الواردة في الزيادة بأنها محمولة على المجاز لا على الحقيقة، على اختلاف بينهم في معنى الزيادة، والأكثرون منهم على أنها كناية عن البركة في العمر، بالتوفيق إلى الطاعة، والاستفادة من زمن الحياة فيما ينفع في الآخرة. وقد حصل بين الفريقين ردود ومناقشات، لا داعي لإيرادها خشية الإطالة، ويرجع إليها في مظانِّها (٢).

والذي يظهر -والله أعلم- أن الجميع متفقون على أن الأعمار التي قدرها الله تعالى لا مجال للزيادة فيها ولا النقصان، بدلالة القرآن على ذلك، وإنما حصل الخلاف لمجيء الأحاديث التي يوهم ظاهرها خلاف هذا. والحق أن حملها على الحقيقة متعين؛ لأن هذا هو الأصل في باب دلالات الألفاظ، وأن الزيادة لمن وصل رحمه إنما هي باعتبار ما في صحف الملائكة، وهي زيادة سببها فعل العبد وكسبه، والله تعالى قد ربط بين الأسباب والمسببات، وأمر بها شرعًا، ورتب عليها جزاء قدريًّا علمه -سبحانه- وقدره في الأزل، فإن فعل العبد ما رتب عليه القضاء كان له كذا وكذا، وإن لم يفعل لم يكن شيء، وهذا هو المراد بقول تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: ٣٩]. والله تعالى أعلم.


(١) رواه البخاري (٦٥٩٤)، ومسلم (٢٦٤٣).
(٢) انظر: المصادر السابقة، "الأحاديث المشكلة الواردة في تفسير القرآن الكريم" ص (٧٠ - ٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>