أَقوام تأملوا الْوُجُوب ففهموا الْمَقْصُود فَالنَّاس فِي رقادهم وهم فِي جمع زادهم والحلائق فِي غرورهم وعيونهم إِلَى قُبُورهم
قَالَ الإِمَام أَحْمد لقد رَأَيْت أَقْوَامًا صالحين رَأَيْت عبد الله بن ادريس وَعَلِيهِ جُبَّة من لبود قد أَتَت عَلَيْهَا سنُون رَأَيْت أَبَا دَاوُد الْحَفرِي وَعَلِيهِ جُبَّة محرقة قد خرج مِنْهَا الْقطن وَهُوَ يُصَلِّي فيترجح من الْجُوع وَرَأَيْت أَيُّوب النجار وَقد خرج من كل مَا يملكهُ
وَكَانَ فِي الْمَسْجِد شَاب مصفر يُقَال لَهُ الْعَوْفِيّ يقوم من أول اللَّيْل إِلَى الصَّباح يبكي
(إِذا مَا الْخيام الْبيض لاحت لَدَى منى ... فعرج فَأَنا بعْدهَا بِقَلِيل)
(تَرَانَا لَدَى الْأَطْنَاب صرعى من الْهوى ... نكفكف دمعا لافتقاد خَلِيل)
(وَكم أَنه أردفتها بتنفس ... وَكم عِبْرَة أتبعتها بعويل)
(قفوا وانظروا ذلي وَعز معذبي ... تروا عجبا من قَاتل وقتيل)
علمت فِي قُلُوبهم معاول الْحزن مَعًا فانبعثت من كل ركية ركية مَاء أسي فَجرى من طرف طرفين مَاء فَجرى وسخا فَغسل وسخا
(قد كنت أطوي على الوجد الضلوع وَلَا ... أبدي الْهوى وأسوم الْقلب كتمانا)
(فخانني الصَّبْر إِذْ ناديته ووفت ... لي الشؤون فَعَاد السِّرّ إعلانا)
(أكتم الوجد والعينان تظهره ... للحب أعظم مِمَّا رمته شانا)
قَالَ أَبُو عمرَان الجوبي أرتني أُمِّي موضعا من الدَّار قد انحفر فَقَالَت هَذَا مَوضِع دموع أَبِيك
وَكَانَ حسان بن أبي سِنَان يحضر مجْلِس مَالك بن دِينَار فيبكي حَتَّى يبل مَا بَين يَدَيْهِ وَلَا يسمع لَهُ صَوت للمتنبي
(أجَاب دمعي وَمَا الدَّاعِي سوى طلل ... دَعَا فلباه قبل الركب وَالْإِبِل)
(ظللت بَين أصيحابي أكفكفه ... فظل يسفح بَين الْعذر والعذل)