الْفَصْل السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ
أَيهَا المغتر بالدنيا كم خدعت مَا وَاصل وَصلهَا محب إِلَّا قطعت وَلَا ناولت نوالا إِلَّا ارتجفت اخْتَبَأْت مريرها فَلَمَّا اعتقلت أَسِيرهَا جرعت مَتى رَأَيْتهَا قد توطنت فَاعْلَم أَنَّهَا قد أزمعت
(يَا محب الدُّنْيَا الْغرُور اغْتِرَارًا ... رَاكِبًا فِي طلابها الأخطارا)
(يَبْتَغِي وَصلهَا فتأبى عَلَيْهِ ... وَترى انسه فتبدي نفارا)
(خَابَ من يَبْتَغِي الْوِصَال لَدَيْهَا ... جَارة لم تزل تسيء الجوارا)
(كم محب أرته أنسا فَلَمَّا ... حاول الزُّور صيرته أزورارا)
(شيب حُلْو اللَّذَّات مِنْهَا بمر ... إِن حلت مرّة أمرت مرَارًا)
(فِي اكْتِسَاب الْحَلَال مِنْهَا حِسَاب ... واكتساب الْحَرَام يصلى النارا)
(ولباغي الأوطار مِنْهَا عناء ... سَوف يقْضِي وَمَا قضى الأوطارا)
(كل لذاتها منغصة الْعَيْش ... وارباحها تعود خسارا)
(وليالي الهموم فِيهَا طوال ... وليالي السرُور تمْضِي قصارا)
(وَكفى أَنَّهَا تظن وَإِن جَادَتْ ... بنزر أفنت بِهِ الأعمارا)
(وَإِذا مَا سقت خمور الْأَمَانِي ... صيرت بعْدهَا المنايا خمارا)
(كم مليك مسلط ذللته ... بعد عز فَمَا أطَاق انتصارا)
(ونعيم قد أعقبته ببوس ... ومغان قد غادرتها قفارا)
(أَيهَا الْمُسْتَعِير مِنْهَا مَتَاعا ... عَن قَلِيل تسترجع المستعارا)
(عد عَن وصل من يعيرك مَا ... يفنى وَيبقى اثما ويكسب عارا)
(قد ارتك الْأَمْثَال فِي سالف الدَّهْر ... وَمَا قدراتك فِيك اعْتِبَارا)