شُرَحْبِيل فوقفت كالنخلة وغاصت فِي حجر كَأَنَّهَا قد سمرت فِيهِ فتفاءل بالنصر وَخرج للقاء قيدمون والمسلمون يسْأَلُون الله وَيدعونَ لَهُ بالنصر على عدوه
فَلَمَّا رَآهُ البطريق وتأمله ضحك من زيه وَترْجم بلغته وَكَانَ لَهُ صَوت كالرعد وَكَانَ ضخما من الرِّجَال يرى على سَرْجه كَأَنَّهُ البرج والتاج على رَأسه وَكَانَ شُرَحْبِيل رَضِي الله عَنهُ نحيف الْجِسْم من كَثْرَة صِيَامه وقيامه
فَالْتَقَيَا فسبقه شُرَحْبِيل فَضَربهُ بِالسَّيْفِ لم يعْمل فِيهِ شَيْئا ونبا السَّيْف وضربه قيدمون فَشَجَّهُ وتواخزا على الْخَيل ثمَّ سقطا على الأَرْض وَجعلا يتصارعان وسط الطين ويتخبطان فِيهِ وَكَانَ الْمَطَر كأفواه الْقرب وَمَال عَدو الله على شُرَحْبِيل وَضرب بِيَدِهِ على مراق بَطْنه فقلعه من الأَرْض وَرمى بِهِ على ظَهره ثمَّ اسْتَوَى على صَدره وهم بنحره فَنَادَى شُرَحْبِيل ربه يَا غياث المستغيثين فَخرج إِلَيْهِ من صُفُوف الرّوم طليحة بن خويلد الْأَسدي وَكَانَ ادّعى النُّبُوَّة بعد وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَلَمَّا قرب مِنْهُمَا ظن قيدمون أَنه إِنَّمَا خرج ليعطيه جَوَاده فَلَمَّا قرب مِنْهُمَا ترجل وَمَال على البطريق وسحبه بِرجلِهِ عَن صدر شُرَحْبِيل وَقَالَ قُم يَا عبد الله فقد جَاءَك الْغَوْث من غياث المستغيثين فَوَثَبَ شُرَحْبِيل ينظر إِلَيْهِ مُتَعَجِّبا من قَوْله وَفعله وَإِذا بِالرجلِ متلثما وَقد جرد سَيْفه وَضرب البطريق ضَرْبَة قطع رَأسه وَقَالَ يَا عبد الله خُذ سلبه
فَقَالَ شُرَحْبِيل وَالله مَا رَأَيْت أعجب من أَمرك لِأَنِّي رَأَيْتُك قد جِئْت من