وذلك أن القرآن دعا إلى المباهلة وهي مفاعلة من الابتهال والضراعة إلى الله بحرارة واجتهاد فأبى المدعوون وهم النصارى من أهل نجران أن يستجيبوا لها وخافوها ولاذوا بالفرار منها مع أنها لا تكلفهم شيئا سوى أن يأتوا بأبنائهم ونسائهم ويأتي الرسول بأبنائه ونسائه ثم يجتمع الجميع في مكان واحد يبتهلون إلى الله ويضرعون إليه بإخلاص وقوة أن ينزل لعنته وغضبه على من كان كاذبا من الفريقين قال سبحانه في سورة آل عمران:{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ , إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .
"ورد أنه عليه السلام لما دعاهم إلى المباهلة قالوا: حتى ننظر فقال العاقب وكان ذا رأيهم والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمدا نبي مرسل وما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لتهلكن فإن أبيتم إلا إلف دينكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غدا متحضنا للحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول: "إذا أنا دعوت فآمنوا" فقال أسقف نجران يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني فقالوا: يا أبا القاسم رأينا ألا نباهلك فصالحهم النبي صلى الله عليه وسلم على ألفي حلة كل سنة فقال عليه السلام: "والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير".