الأول أن المكي ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة والمدني ما نزل بالمدينة. ويدخل في مكة ضواحيها كالمنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بمنى وعرفات والحديبية. ويدخل في المدينة ضواحيها أيضا كالمنزل عليه في بدر وأحد. وهذا التقسيم لوحظ فيه مكان النزول كما ترى. لكن يرد عليه أنه غير ضابط ولا حاصر لأنه لا يشمل ما نزل بغير مكة والمدينة وضواحيهما كقوله سبحانه في سورة التوبة:{لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لَاتَّبَعُوكَ} الخ فإنها نزلت بتبوك وقوله سبحانه في سورة الزخرف: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} الخ فإنها نزلت ببيت المقدس ليلة الإسراء. ولا ريب أن عدم الضبط في التقسيم يترك واسطة لا تدخل فيما يذكر من الأقسام وذلك عيب يخل بالمقصود الأول من التقسيم وهو الضبط والحصر.
الاصطلاح الثاني أن المكي ما وقع خطابا لأهل مكة والمدني ما وقع خطابا لأهل المدينة. وعليه يحمل قول من قال: إن ما صدر في القرآن بلفظ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} فهو مكي وما صدر فيه بلفظ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فهو مدني لأن الكفر كان غالبا على أهل مكة فخوطبوا بيا أيها الناس وإن كان غيرهم داخلا فيهم. ولأن الإيمان كان غالبا على أهل المدينة فخوطبوا بيا أيها الذين آمنوا وإن كان غيرهم داخلا فيهم أيضا. وألحق بعضهم صيغة يا بني آدم بصيغة يأيها الناس. أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن عن ميمون بن مهران قال: ما كان في القرآن يأيها الناس أو يا بني آدم فإنه مكي وما كان يأيها الذين آمنوا فإنه مدني.