يقولون: ورد أن عبد الله بن مسعود قال: يا معشر المسلمين. أعزل عن نسخ المصاحف ويتولاه رجل والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب رجل كافر؟ اهـ.
قالوا: وهو يعني بهذا الرجل زيد بن ثابت ويريد بذلك الكلام الطعن على جمع القرآن. وهذا يدل بالتالي على أن القرآن الموجود بين أيدينا ليس موضع ثقة ولم يبلغ حد التواتر.
وننقض شبهتهم هذه. أولا: بأن كلام ابن مسعود هذا إذا صح لا يدل على الطعن في جمع القرآن إنما يدل على أنه كان يرى في نفسه أنه هو الأولى أن يسند إليه هذا الجمع لأنه كان يثق بنفسه أكثر من ثقته بزيد في هذا الباب. وذلك لا ينافي أنه كان يرى في زيد أهلية وكفاية للنهوض بما أسند إليه وإن كان هو في نصر نفسه أكفأ وأجدر. غير أن المسألة تقديرية ولا ريب أن تقدير أبي بكر وعمر وعثمان لزيد أصدق من تقدير ابن مسعود له. كيف وقد عرفت فيما سبق مجموعة المؤهلات والمزايا التي توافرت فيه حتى جعلته الجدير بتنفيذ هذه الغاية السامية. أضف إلى ذلك أن عثمان ضم إليه ثلاثة ثم كان هو وجمهور الصحابة مشرفين عليهم مراقبين لهم وناهيك في عثمان أنه كان من حفاظ ومعلمي القرآن!
وخلاصة هذا الجواب أن اعتراض ابن مسعود على فرض صحته كان منصبا على طريقة تأليف لجنة الجمع لا على صحة نفس الجمع. مع أن كلمة ابن مسعود السالفة لا تدل على أكثر من أنه كان يكبر زيدا بزمن طويل إذ كان عبد الله مسلما وزيد لا يزال ضميرا مستترا في صلب أبيه. وليس هذا بمطعن في زيد فكم ترك الأول للآخر. ولو كان الأمر بالسن لاختل كثير من نظام الكون. ثم إن كلمة