لا سبيل إلى معرفة آيات القرآن إلا بتوقيف من الشارع لأنه ليس للقياس والرأي مجال فيها إنما هو محض تعليم وإرشاد بدليل أن العلماء عدوا {المص} آية ولم يعدوا نظيرها وهو {المر} آية وعدوا {يس} آية ولم يعدوا نظيرها وهو {طس} آية وعدوا {حم عسق} آيتين ولم يعدوا نظيرها وهو {كهيعص} آيتين بل آية واحدة فلو كان الأمر مبنيا على القياس لكان حكم المثلين واحدا فيما ذكر ولم يجيء هكذا مختلفا.
ذلك مذهب الكوفيين لأنهم عدوا كل فاتحة من فواتح السور التي فيها شيء من حروف الهجاء آية سوى حمعسق فإنهم عدوها آيتين وسوى طس. ولم يعدوا من الآيات ما فيه ر وهو الر والمر وما كان مفردا وهو ق ص ن أي لم يعدوا شيئا منها آية.
وغير الكوفيين لا يعتبرون شيئا من الفواتح آية إطلاقا. وحيث قلنا: إن المسألة توقيفية فلا يشتبهن عليك هذا الخلاف. لأن كلا وقف عند حدود ما بلغه أو علمه. ولا تقولن كيف عدوا ما هو كلمة واحدة آية؟ لأن الوارد عن الشارع هو هذا كما عدت كلمة {الرَّحْمَنُ} في صدر سورة الرحمن آية وكما عدت كلمة {مُدْهَامَّتَانِ} آية وقوفا عند الوارد.
أخرج البخاري وأبو داود والنسائي عن أبي سعيد بن المعلى قال: كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه ثم أتيته فقلت: يا رسول الله إني كنت أصلي. فقال:"ألم يقل الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} . ثم قال: لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد" ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له: ألم تقل: