زعم بعض الناس أنه لا فائدة للإلمام بأسباب النزول وأنها لا تعدو أن تكون تاريخا للنزول أو جارية مجرى التاريخ وقد أخطأ فيما زعم فإن لأسباب النزول فوائد متعددة لا فائدة واحدة:
الأولى: معرفة حكمة الله تعالى على التعيين فيما شرعه بالتنزيل وفي ذلك نفع للمؤمن وغير المؤمن. أما المؤمن فيزداد إيمانا على إيمانه ويحرص كل الحرص على تنفيذ أحكام الله والعمل بكتابه لما يتجلى له من المصالح والمزايا التي نيطت بهذه الأحكام ومن أجلها جاء هذا التنزيل. وأما الكافر فتسوقه تلك الحكم الباهرة إلى الإيمان إن كان منصفا حين يعلم أن هذا التشريع الإسلامي قام على رعاية مصالح الإنسان لا على الاستبداد والتحكم والطغيان خصوصا إذا لاحظ سير ذلك التشريع وتدرجه في موضوع واحد. وحسبك شاهدا على هذا تحريم الخمر وما نزل فيه وقد مر بك في البحث السابق فلا نعيده ولا تغفل.
الفائدة الثانية: الاستعانة على فهم الآية ودفع الإشكال عنها. حتى لقد قال الواحدي: لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها. وقال ابن تيمية: معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية فإن العلم بالمسبب يورث العلم بالسبب اهـ.
ولنبين لك ذلك بأمثلة ثلاثة: الأول قال الله تعالى في سورة البقرة: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} فهذا اللفظ الكريم يدل بظاهره على أن للإنسان أن يصلي إلى أية جهة شاء ولا يجب عليه أن يولي وجهه شطر البيت الحرام لا في سفر ولا حضر. لكن إذا علم أن هذه الآية نازلة في نافلة السفر خاصة أو فيمن صلى باجتهاده ثم بان له خطؤه تبين له أن الظاهر غير مراد إنما المراد التخفيف على خصوص المسافر في صلاة النافلة أو على المجتهد