للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما إعجاز القرآن من ناحية الأسرار البلاغية فلا يقدح فيه أن جمهرة الناس اليوم لا يدركونها ولا يتذوقونها فإن ذلك لا يرجع إلى خلو القرآن من أسرار البلاغة والبيان إنما يرجع إلى جهل الناس باللغة العربية وأساليبها وإلى فساد ذوقهم من غلبة العجمة عليهم ومعروف أن عدم الإدراك لشيء لا ينهض دليلا على عدم ذلك الشيء. ونظير ذلك أن عدم علمنا بلغة من اللغات الأجنبية مثلا لا يلزم منه أن ننكر أن فلانا متفوق في تلك اللغة بشهادة الأخصائيين فيها والحاذقين لها بل نحن نؤمن بوجود لغات لا نعرف منها شيئا كما نؤمن بوجود نابغين فيها لا نعرفهم ولا نعرف من وجوه نبوغهم شيئا اللهم إلا عن طريق سماعنا لذلك من مصادر نثق بها.

كذلكم القرآن الكريم قد شهد الفنيون والأخصائيون من حذاق اللغة العربية في أزهى عصور التوفر عليها والتمهر فيها أنه كتاب فاق الكتب وكلام بز سائر ضروب الكلام وبلغ في سموه وتفوقه حدود الإعجاز والإفحام من ناحية الفصاحة والبلاغة وما يحمل لهما من أسرار. ثم نقل إلينا ذلك كله نقلا متواترا قاطعا لا ظل فيه للشك والنكران.

فلماذا لا نقبل هذا الحكم العادل ومصادره كثيرة محترمة كل الاحترام؟.

أليس ذلك تعصبا وعنادا على حين أن الباب كان ولا يزال مفتوحا أمام كل من يحذق علوم اللغة العربية وأساليبها أن يتذوق أسرار البلاغة والإعجاز في هذا القرآن وأن يحكم هو نفسه بما حكم به الآلاف المؤلفة في كل زمان ومكان.

وإذا لم تر الهلال فسلم ... لأناس رأوه بالأبصار

على أن لإعجاز القرآن ميدانا آخر فاطلبه إن شئت. {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ} .

الشبهة العاشرة يقولون: إن إعجاز القرآن للعرب لا يدل على أن القرآن كلام الله. بل هو كلام محمد نسبه إلى ربه ليستمد قدسيته من هذه النسبة. وإعجازه جاء من

<<  <  ج: ص:  >  >>