صحيح يرويه البخاري أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال:"التمسوها في سابعة تبقى في تاسعة تبقى" أي اطلبوا ليلة القدر ليلة الحادي والعشرين أو ليلة الثالث والعشرين من ذلك الشهر. وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه. ولا جدال في أن هذه نصوص تنافي أن تكون ليلة القدر ليلة السابع عشر من رمضان.
ثم إن هذه الآية التي استدل بها هؤلاء ليست نصا صريحا في أن المراد بما أنزله الله على عبده يوم الفرقان هو ما أنزله على نبيه ليلة القدر من القرآن. بل الظاهر أن قوله سبحانه:{وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ} معناه وما أنزلنا على عبدنا محمد صلى الله عليه وسلم من الوحي والملائكة والفتح في ذاك اليوم المشهود الذي فرق الله فيه بين الحق والباطل وبين الإسلام والكفر في أول موقعة تاريخية انتصف فيها الإسلام من أعدائه وقام للمسلمين بسببها شوكة ودولة وسلطان. وهي غزوة بدر الكبرى. وإلى هذا الرأي جنح أكثر المفسرين. ويؤيده سياق النظم القرآني الكريم فإن الآية نزلت لتروض قلوب المسلمين على الرضا بما شرع الله في قسمة الغنائم وليقطعوا أطماعهم من الخمس الذي قضى الله أن يكون له لا لهم, وليقنعوا بعد ذلك بالأربعة الأخماس الباقية فإن الفضل في هذه الغنائم إنما هو لله قبلهم هو الذي أنزل في هذا اليوم ما أنزل من هدايات وبشائر ثبتت قلوبهم. وهو الذي أنزل مددا من لدنه ملائكة مقربين كثيرين وهو الذي سخر سائر أسباب الانتصار المعروفة في هذه المعركة العظيمة. وإذا كان الفضل يرجع إلى الله في هذا الانتصار فأطيعوا أيها المسلمون أمره في قسمة الغنائم المتخلفة عنه. {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .