للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في هذا الباب بالظنة وينافحون عن القرآن بكل عناية وهمة. وحسبك استدلالا على ذلك ما فعل عمر بصاحبه هشام بن حكيم على حين أن هشاما كان في واقع الأمر على صواب فيما يقرأ وأنه قال لعمر تسويغا لقراءته: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن عمر لم يقنع بل لببه وساقه إلى المحاكمة ولم يتركه حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لهشام بأنه أصاب. قل مثل ذلك فيما فعل أبي بن كعب بصاحبه وما كان من ابن مسعود وعمرو بن العاص وصاحبيهما. والأحاديث بين يديك عن كثب فارجع إليها إن أردت.

الشاهد السابع: أنه لا يجوز أن نجعل اختلاف القراءات معركة جدال ونزاع وشقاق ولا مثار تردد وتشكيك وتكذيب ولا سلاح عصبية وتنطع وجمود. على حين أن نزول القرآن على سبعة أحرف إنما كانت حكمته من الله التيسير والتخفيف والرحمة والتهوين على الأمة فما يكون لنا أن نجعل من هذا اليسر عسرا ومن هذه الرحمة نقمة. يرشد إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فيما سبق "فلا تماروا فيه فإن المراء فيه كفر". وكذلك تغير وجهه الشريف عند اختلافهم مع قوله: "إنما أهلك من قبلكم الاختلاف" وضربه في صدر أبي بن كعب حين جال بخاطره حديث السوء في هذا الموضوع الجليل.

الشاهد الثامن: أن المراد بالأحرف في الأحاديث السابقة وجوه في الألفاظ وحدها لا محالة. بدليل أن الخلاف الذي صورته لنا الروايات المذكورة كان دائرا حول قراءة الألفاظ لا تفسير المعاني مثل قول عمر: إذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حكم الرسول أن يقرأ كل منهما وقوله صلى الله عليه وسلم: "هكذا أنزلت". وقوله: "أي ذلك قرأتم فقد أصبتم" ونحو ذلك ولا ريب أن القراءة أداء الألفاظ لا شرح المعاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>