للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحرم بما يمس صورته وطريق أدائه وكيفية لهجاته كما يحرم بما يمس جوهره وتغيير حروفه وكلماته وحركاته وترتيبه.

أمر آخر: هو أن التيسير على الأمة وهي الحكمة البارزة في نزول القرآن على سبعة أحرف لا يتحقق على الوجه الأكمل إلا بحسبان هذا الوجه الذي نوه به الرازي وهو اختلاف اللهجات. بل هذا قد يكون أولى بالحسبان وأحرى بالرعاية في باب التخفيف والتيسير لأنه قد يسهل على المرء أن ينطق بكلمة من غير لغته في جوهرها ولا يسهل عليه أن ينطق بكلمة من غير لغته نفسها بلهجة غير لهجته وطريقة في الأداء غير طريقته. ذلك لأن الترقيق والتفخيم والهمز والتسهيل والإظهار والإدغام والفتح والإمالة ونحوها ما هي إلا أمور دقيقة وكيفيات مكتنفة بشيء من الغموض والعسر في النطق على من لم يتعودها ولم ينشأ عليها.

واختلاف القبائل العربية فيما مضى كان يدور على اللهجات في كثير من الحالات وكذلك اختلاف الشعوب الإسلامية وأقاليم الشعب الواحد منها الآن يدور في كثير من الحالات أيضا على اختلاف اللهجات.

وإذن فتخفيف الله على الأمة بنزول القرآن على سبعة أحرف لا يتحقق إلا بملاحظة الاختلاف في هذه اللهجات. حتى إن بعض العلماء جعل الوجوه السبعة منحصرة في اللهجات لا غير كما يأتي.

قال الإمام ابن قتيبة نفسه في كتاب المشكل ما نصه: فكان من تيسير الله تعالى أن أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقرئ كل أمة لعله يريد بالأمة القبيلة بلغتهم وما جرت به عادتهم فالهذلي يقرأ "عتى حين" يريد {حَتَّى حِينٍ} هكذا يلفظ بها ويستعملها أي يقلب الحاء عينا في النطق. والأسدي يقرأ {يَعْلَمُونَ، وَنَعْلَمَ، وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ، أَلَمْ أَعْهَدْ} بكسر حروف المضارعة في ذلك كله والتميمي يهمز والقرشي لا يهمز. والآخر يقرأ {قِيلَ لَهُمْ وَغِيضَ الْمَاءُ} بإشمام الضم مع الكسر

<<  <  ج: ص:  >  >>