للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليست من موضوع الاشتباه ولا يختلف اثنان في أنها أكثر من مثيلاتها في السور المدنية بأضعاف الأضعاف.

ثانيا - أن كثرة التفاصيل في تشريع الأحكام بالمدينة ليس نتيجة لما زعموه. إنما هو أمر لا بد منه في سياسة الأمم وتربية الشعوب وهداية الخلق. ذلك أن الطفرة حليفة الخيبة والفشل والتدرج حليف التوفيق والنجاح وتقديم الأهم على المهم واجب في نظر الحكمة. لهذا بدأ الله عباده في مكة بما هو أهم: بدأهم بإصلاح القلوب وتطهيرها من الشرك والوثنية وتقويمها بعقائد الإيمان الصحيح والتوحيد الواضح حتى إذا استقاموا على هذا المبدأ القويم وشعروا بمسؤولية البعث والجزاء وتقررت فيهم هذه العقائد الراشدة فطمهم عن أقبح العادات وأرذل الأخلاق وقادهم إلى أصول الآداب وفضائل العادات ثم كلفهم ما لا بد منه من أمهات العبادات. وهذا ما كان في مكة. ولما مرنوا على ذلك وتهيأت نفوسهم للترقي والكمال بتطاول الأيام والسنين وكانوا وقتئذ قد هاجروا إلى المدينة جاءهم بتفاصيل التشريع والأحكام وأتم عليهم نعمته ببيان دقائق الدين وقوانين الإسلام.

ونظير ذلك ما تواضع عليه الناس قديما وحديثا في سياسة التعليم من أنهم يلقنون البادئين في مراحل التعليم الأولى أخف المسائل وأوجزها فيما يشبه قصار السور ومختصر القصص حتى إذا تقدمت بهم السن وعظم الاستعداد تلاطم بحر التعليم وزاد على حد قولهم: الإمداد على قدر الاستعداد.

أما ما زعموه من أن ذلك كان نتيجة لاختلاط محمد بأهل المدينة المستنيرين فينقضه أن القرآن جاء يصلح عقائد أهل الكتاب وأخطاءهم في التشريع وفي التحليل والتحريم وفي الأخبار والتواريخ فكيف يأخذ المصيب من المخطئ؟ وهل

<<  <  ج: ص:  >  >>