لهجاتهم وتباين وجوه نطقهم عرب تؤلف بينهم العروبة الواحدة ويجمعهم اللسان العربي العام. فأي عيب على القرآن إذا اختلفت حروف أدائه وكيفيات النطق بكلماته ليسع القبائل العربية جميعا وليتسنى لها تلاوة ألفاظه وتفهم معانيه؟ ولئلا يقول أحد منها: لو جاء القرآن بلغتنا لكان لنا معه شأن ولأتينا بمثله وعارضنا بلاغته! {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} .
خامسا: قولهم إنه من المستحيل أن يكون القرآن الحالي حاويا لجميع ما أنزل الخ كلام مجرد من السند والحجة لا يستحق الرد فإن استندوا فيه إلى ما سبق فقد استندوا إلى أوهن من بيت العنكبوت وقد عرفت وجوه الوهن التي فيه. وإن استندوا إلى ما ذكروه بعد مما نسبوه لابن عمر فقد زادوا الطين بلة لأن هذه النسبة إلى ابن عمر نسبة خاطئة كاذبة وعلى فرض صحتها فهي موقوفة وليست بمرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعلى فرض رفعها فهي معارضة للأدلة القاطعة المتوافرة في تواتر القرآن وسلامته من التغيير والزيادة والنقصان ومعارض القاطع ساقط مهما كانت قيمة سنده في خبر الواحد.
سادسا: أن نهايتهم التي ختموا بها هذه الشبهة أقبح من بدايتهم لأنهم رتبوها على تلك الأكاذيب والمهاترات ثم زادوا فيها اتهاما جديدا مجردا من السند والحجة أيضا وهو أن في آيات عديدة من القرآن اختلافات مدهشة ولا يعلم نصها الصحيح أحد وهكذا خرجوا من اتهام إلى اتهام واحتجوا بكذب على كذب وهانت عليهم كرامتهم وعقولهم فقالوا ما شاء لهم الهوى والتعصب إلى هذا الحد وأنت خبير بأن القرآن الحالي وصل إلينا محفوظا من كل عبث كما نطق به الرسول صلى الله عليه وسلم وكما خطه الله تعالى بقلمه في