وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم يحفظهم من الكتاب والسنة ما لم يحفظوه ويعلمهم ما جهلوه ويجيبهم إذا سألوه ويريهم شاكلة الصواب فيما أخطؤوه ويقفهم على حقيقة الأمر إذا تشككوه في صبر وأناة وسعة صدر وكرم نفس وطيب قلب.
ولا ريب أن هذا عامل مهم ييسر لهم الحفظ ويهون عليهم الاستظهار ضرورة أنه صلى الله عليه وسلم مرجع واضح ومنهم عذب لا سيما إذا لاحظنا أنه صلى الله عليه وسلم كان دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب وأن من جالسه أو فاوضه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء. مجلسه مجلس علم وحياء وأمانة وصبر يدرس فيه القرآن وتذاع فيه السنة ويعبق منه أريج الهداية.
عوامل خاصة بالقرآن الكريم.
تلك العوامل التي ذكرناها عوامل مشتركة بين الكتاب والسنة طوعت للصحابة حفظهما واستظهارهما والإحاطة بهما وحذقهما.
بيد أن هناك عوامل خاصة توافرت في حفظ الصحابة للقرآن دون السنة.
أولها: أن الله تعالى تحدى بالقرآن أمة العرب بل كافة الخلق فقال سبحانه: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} ولما عجزوا قال: {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ} ولما عجزوا أيضا قال: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} ولما عجزوا الثالثة سجل عليهم