ولقد سمع الصحابة هذه الترهيبات وأمثالها. وما أمثالها في القرآن والسنة بقليل بل لقد سمع الأصحاب نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عما دون الكذب وما كان أقل من التزيد إذ حذرهم رواية الضعفاء والمدخولين فقال:"سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم" رواه مسلم. بل حذرهم صلى الله عليه وسلم رواية المجهولين فقال:"إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل فيأتي القوم فيحدثهم الكذب فيتفرقون فيقول الرجل منهم: سمعت رجلا أعرف وجهه ولا أعرف اسمه يحدث كذا وكذا". رواه مسلم.
فهل يستبيح عاقل منصف لنفسه أن يقول: إن الصحابة الذين سمعوا هذه النصائح وتلك الزواجر عن التزيد والافتراء يقدمون على كذب في القرآن والسنة أو يقصرون في التثبت والتحري والاحتياط في نقل الذكر الحكيم والهدي النبوي الكريم؟.
العامل الثالث
أن الإسلام أمرهم بالصدق ونهاهم عن الكذب إطلاقا فقال سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} وأنت خبير بأن هذا الخطاب بهذه الصيغة في هذا المقام مع تقديم الأمر بالتقوى فيه إشارة إلى أن الصدق المأمور به من مقتضيات الإيمان ومن دعائم التقوى ويفهم من هذا أن من كذب وافترى فسبيله سبيل من كفر وطغى. كما صرح سبحانه بذلك في قوله:{إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} .