للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هنا وجد عدد يحذق الخط والكتابة قبيل الإسلام ولكنهم نزر يسير بجانب تلك الكثرة الغامرة من الأميين. وفي ذلك يمتن رجل من أهل دومة الجندل على قريش فيقول:

لا تجحدوا نعماء بشر عليكمو ... فقد كان ميمون النقيبة أزهرا

أتاكم بخط الجزم١ حتى حفظتمو ... من المال ما قد كان شتى مبعثرا

فأجريتم الأقلام عودا وبدأة ... وضاهيتمو كتاب كسرى وقيصرا

وأغنيتمو عن مسند الحي حمير ... وما زبرت في الصحف أقلام حميرا

أولئك أهل مكة. أما أهل المدينة فكان بينهم أهل الكتاب من اليهود وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وفيها يهودي يعلم الصبيان الكتابة وكان فيها بضعة عشر رجلا يحذقون الكتابة منهم المنذر بن عمرو وأبي بن وهب وعمرو بن سعيد وزيد بن ثابت الذي تعلم كتابة اليهود بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم.

شأن الكتابة في الإسلام:

ثم جاء الإسلام فحارب فيما حارب أمية العرب وعمل على محوها وطفق يرفع من شأن الكتابة ويعلي من مقامها. وإن كنت في شك فهذه أوائل آيات نزلن من القرآن الكريم يشيد الحق فيها بالقلم وما يعلم الله عباده بوساطة القلم إذ يقول جلت حكمته: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} إلى أن قال: {وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ, الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ, عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} .

وهذه سورة ن يحلف العلي الأعلى فيها بالقلم وما يسطرون إذ يقول: {نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} . وهذا من أروع ألوان التنبيه إلى جلال الخط والكتابة ومزاياهما.


١ سمي بالجزم لأنه جزم- أي قطع- من الخط المسمى بالمسند, وهو خط حمير.

<<  <  ج: ص:  >  >>