١- أن شقيق بن سلمة يقول: خطبنا عبد الله بن مسعود على المنبر فقال: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} . غلوا مصاحفكم. أي اخفوها حتى لا تحرق وكيف تأمرونني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت وقد قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله؟ رواه النسائي وأبو عوانة وابن أبي داود.
٢- أن خير بن مالك يقول: لما أمر بالمصاحف أن تغير ساء ذلك عبد الله بن مسعود فقال: من استطاع أن يغل مصحفه أي يخفيه حتى لا يحرق فليفعل. وقال في آخره: أفأترك ما أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
٣- أن الحاكم يروي من طريق أبي ميسرة قال: رحت فإذا أنا بالأشعري وحذيفة وابن مسعود. فقال ابن مسعود: والله لا أدفعه يعني مصحفه. أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.
ونجيب: أولا: بأن هذه الروايات لا تدل أبدا على عدم تواتر القراءات ولا على عدم تواتر ما جاء في مصحف عثمان. غاية ما تدل عليه أن ابن مسعود لم يوافق أول الأمر على إحراق مصحفه. وهذا لا ينقض تواتر ما جاء في مصحف عثمان. لأنه ليس من شرط التواتر على ما في مصحف عثمان أن يحرق ابن مسعود مصحفه ولا أن يحرق أحد مصحفه. بل المحقق للتواتر أن يرويه جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب في كل طبقة. وهذا موجود في مصحف عثمان لأن ما فيه رواه ووافق عليه جموع عظيمة من الصحابة محال أن تكذب وحسبك عثمان ودستوره في جمع القرآن. فارجع إليه إن شئت.
ثانيا: أنه على فرض مخالفة ابن مسعود لمصحف عثمان فإن هذه المخالفة لا تذهب بتواتر القرآن. لأن أركان التواتر متحققة في المصحف العثماني على رغم هذه المخالفة المفروضة ولم يقل أحد في الدنيا: إن من شرط التواتر ألا يخالف فيه مخالف حتى تكون مخالفة ابن مسعود لمصحف عثمان ناقضة لتواتر القرآن.