أولها أن الله تعالى يقول:{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} ويقول: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} ويقول: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} وجه الاستدلال أن الله تعالى حث على تدبر القرآن والاعتبار بآياته والاتعاظ بمواعظه وهذا يدل على أن أولي الألباب بما لهم من العقل السليم واللب الصافي عليهم أن يتأولوا ما لم يستأثر الله بعلمه إذا التدبر والاتعاظ فرع الفهم والتفقه في كتاب الله والآية الكريمة تدل على أن في القرآن ما يستنبطه أي يستخرجه أولو الألباب والفهم الثاقب.
ثانيها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في دعائه لابن عباس: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" فلو كان التأويل مقصورا على السماع والنقل للفظ التنزيل لما كان هناك فائدة لتخصيصه فدل على أن التأويل خلاف النقل وإذن فهو التفسير بالاجتهاد والرأي.
ثالثها: لو كان التفسير بالرأي غير جائز لتعطل كثير من الأحكام واللازم باطل ووجه الملازمة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر تفسير كل آية والمجتهد مأجور وإن أخطأ ما دام أنه قد استفرغ وسعه ولم يهمل الوسائل الواجبة في الاجتهاد وكان غرضه الوصول إلى الحق والصواب.
ويمكن أن يجعل الخلاف لفظيا بأن يحمل كلام المجيزين للتفسير بالرأي على التفسير بالرأي المستوفي لشروطه الماضية فإنه يكون حينئذ موافقا لكتب الله وسنة رسوله كلام العرب وهذا جائز ليس بمذموم ولا منهي عنه ثم يحمل كلام المانعين للتفسير بالرأي على ما فقدت شروطه السابقة فإنه يكون حينئذ مخالفا للأدلة الشرعية واللغة العربية وهذا غير جائز بل هو محط النهي ومصب الذم. وعليه