ثانيا أن الله تعالى لم يكلفنا بالمستحيل:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} وقد أشبعنا القول في بيان استحالة ترجمة القرآن بذلك المعنى العرفي استحالة عادية فواضح ألا يكلفنا الله إياها.
ثالثا أن القول بوجوب هذه الترجمة يستلزم المحال وهو التناقض في أحكام الله تعالى ذلك أن الله حرمها كما تقرر من قبل فكيف يستقيم القول بأنه أوجبها مع أن الحاكم واحد وهو الله ومحل الحكم واحد وهو الترجمة والمحكوم عليه واحد وهم المكلفون في كل زمان ومكان.
رابعا أن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أعرف الناس بأحكام الله وأنشط الخلق في الدعوة إلى الله لم يتخذ هذه الترجمة وسيلة إلى تبليغ الأجانب مع أنه قد دعا العرب والعجم وكاتب كسرى وقيصر وراسل المقوقس والنجاشي وكانت جميع كتبه لهم عربية العبارة ليس فيها آية واحدة مترجمة فصلا عن ترجمة القرآن كله وكان كل ما في هذه الكتب دعوة صريحة جريئة إلى نبذ الشرك واعتناق التوحيد والاعتراف برسالته صلى الله عليه وسلم ووجوب طاعته واتباعه وكان صلى الله عليه وسلم يدفع كتبه هذه إلى سفراء يختارهم من أصحابه فيؤدونها على وجهها وهؤلاء الملوك والحكام قد يدعون تراجم يفسرونها لهم وقد يسألون السفراء ومن يتصل بهم عن تعاليم الإسلام وشمائل نبي الإسلام وصفات الذين اتبعوه ومدى نجاح هذه الرسالة مما عساه أن يلقي ضوءا على حقيقة الداعي ودعوته.
انظر حديث هرقل في أوائل صحيح البخاري
خامسا أن الصحابة رضوان الله عليهم وهم مصابيح الهدى وأفضل طبقة في سلف هذه الأمة الصالح وأحرص الناس على مرضاة الله ورسوله وأعرفهم بأسرار الإسلام وروح تشريعه ولم يفكروا يوما ما في هذه الترجمة فضلا عن أن يحاولوها أو يأتوها بل كان شأنهم شأن الرسول صلى الله عليه وسلم الأعظم يدعون بالوسائل التي دعا بها على نشاط رائع