لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ولا ملزم يلزمه برعاية مصالح عباده ولكن ليس معنى هذا انه عابث أو مستبد أو ظالم بل إن أحكامه وأفعاله كلها جل جلاله لا تخلو عن حكمة بالغة وعلم واسع وتنزه عن البغي والظلم:{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} , {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ} , {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} , {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} .
والمعتزلة يقولون إنه تعالى يجب أن يتبع في أحكامه مصالح عباده فما كان فيه مصلحة لهم أمرهم به وما كان فيه مضرة عليهم نهاهم عنه وما دار بين المصلحة تارة والمفسدة أخرى أمرهم به تارة ونهاهم عنه أخرى.
إذا تقرر هذا فإن صغرى ذلك الدليل نستدل عليها من مذهب أهل السنة هكذا النسخ تصرف في التشريع من الفاعل المختار الكبير المتعال الذي لا يجب عليه رعاية مصالح عباده في تشريعه وإن كان تشريعه لا يخلو من حكمة وكل ما كان كذلك لا محظور فيه عقلا.
وما على مذهب أهل الاعتزال فننظم الدليل هكذا النسخ مبني على أن الله تعالى يعلم مصلحة عباده في نوع من أفعالهم وقتا ما فيأمرهم به في ذلك الوقت ويعلم ضرر عباده في هذا النوع نفسه من أفعالهم ولكن في وقت آخر فينهاهم عنه في ذلك الوقت الآخر وكل ما كان كذلك لا محظور فيه عقلا.
وكيف يكون محظور عقلا ونحن نشاهد أن المصالح تختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والأحوال فالطبيب يأمر مريضه بتناول الدواء ما دام مريضا ثم ينهاه عنه إذا أبل من مرضه وعاد سليما والمربية تقدم إلى طفلها أخف الأغذية من لبن ونحوه دون غيره فإذا ترعرع ودرج حرمت عليه المراضع ثم انتقلت به إلى غذاء غير اللبن ونحوه وهكذا تنتقل به من الخفيف إلى الثقيل ومن الثقيل إلى الأثقل تبعا لتدرجه في مدارج القوة والنضج.