ما يقابل بالإنكار وبذلك يبقى الأصل سليما من التغيير والتبديل مصداقا لقوله سبحانه:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .
والخلاصة أن حكمة الله قضت أن تنزل بعض الآيات في أحكام شرعية عملية حتى إذا اشتهرت تلك الأحكام نسخ سبحانه هذه الآيات في تلاوتها فقط رجوعا بالقرآن إلى سيرته من الإجمال وطردا لعادته في عرض فروع الأحكام من الإقلال تيسيرا لحفظه وضمانا لصونه {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} .
ثانيهما أنه على فرض عدم علمنا بحكمة ولا فائدة في هذا النوع من النسخ فإن عدم العلم بالشيء لا يصلح حجة على العلم بعدم ذلك الشيء وإلا فمتى كان الجهل طريقا من طرق العلم ثم إن الشان في كل ما يصدر عن العليم الحكيم الرحمن الرحيم أن يصدر لحكمة أو لفائدة نؤمن بها وإن كنا لا نعلمها على التعيين وكم في الإسلام من أمور تعبدية استأثر الله بعلم حكمتها أو أطلع عليها بعض خاصته من المقربين منه والمحبوبين لديه {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} , {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} .
ولا بدع في هذا فرب البيت قد يأمر أطفاله بما لا يدركون فائدته لنقص عقولهم على حين أنه في الواقع مفيد وهم يأتمرون بأمره وإن كانوا لا يدركون فائدته والرئيس قد يأمر مرؤوسيه بما يعجزون عن إدراك سره وحكمته على حين أن له في الواقع سرا وحكمة وهم ينفذون أمره وإن كانوا لا يفهمون سره وحكمته.
كذلك شأن الله مع خلقه فيما خفي عليهم من أسرار تشريعه وفيما لم يدركوا من فائدة نسخ التلاوة دون الحكم {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .