للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سادسا أن الحكم الأشد الناسخ قد يكون هو المصلحة للعباد دون الحكم الأخف المنسوخ لأنه على رغم شدته وثقله يشتمل على داعية لامتثاله لا توجد في الحكم الأول وقت النسخ من ترغيب أو ترهيب أو تجلية لمزايا وفوائد من وراء الحكم الجديد في الدنيا أو في الآخرة تأمل آيتي التحريم النهائي للخمر وما انطوتا عليه من هذه الألوان ثم تأمل آيات مشروعية الجهاد وما فيها من ضروب الترغيب والترهيب وتحريك العزائم إلى السخاء بالنفوس والأموال إلى غير ذلك مما تدركه في الأحكام الناسخة بأقل تبصر وإمعان.

الشبهة الثالثة ودفعها:

يقول المانعون لنسخ الأخف بالأثقل سمعا فقط إن الله تعالى يقول: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} ومعنى هذا أن الشدائد التي كانت على من قبلنا رفعها الله عنا ونسخ الأخف بالأشد مخالف لهذا الوعد الصريح فهو ممنوع سمعا.

وندفع هذه الشبهة بأن قصارى ما تفيده هذه الآية أن الله تعالى أعفى هذه الأمة المحمدية من أن يكلفها بما يصل في شدته إلى تلك الأحكام القاسية التي فرضها على الأمم الماضية والتي ألزمهم بها إلزاما كأنها أغلال في أعناقهم وهذا لا ينفي أن تكون بعض الأحكام في الشريعة الإسلامية أشد من بعض وأن ينسخ الله فيها حكما اخف بحكم أثقل منه ولكن لا يصل في شدته وصرامته إلى مثل أحكام الماضين في شدتها وصرامتها فوعد الله بالتخفيف على هذه الأمة حق ونسخه حكما بما هو أثقل منه حق وخلاصة الجواب أن شدة بعض الأحكام الإسلامية إنما هو بالنسبة إلى بعضها الآخر أما بالنسبة إلى أحكام الشرائع الأخرى فهي أخف منها قطعا.

<<  <  ج: ص:  >  >>