إنما هو مباح بالبراءة الأصلية والحديث المذكور ما رفع إلا هذه البراءة الأصلية ورفعها لا يسمى نسخا كما سلف بيانه.
من هذا العرض يخلص لنا أن نسخ القرآن بالسنة لا مانع يمنعه عقلا ولا شرعا غاية الأمر أنه لم يقع لعدم سلامة أدلة الوقوع كما رأيت.
٣ - نسخ السنة بالقرآن
هذا هو القسم الثالث وفيه خلاف العلماء أيضا بين تجويز ومنع على نمط ما مر في القسم الثاني بيد أن صوت المانعين هنا خافت وحجتهم داحضة أما المثبتون فيؤيدهم دليل الجواز كما يسعفهم برهان الوقوع ولهذا نجد في صف الإثبات جماهير الفقهاء والمتكلمين ولا نرى في صف النفي سوى الشافعي في أحد قوليه ومعه شرذمة من أصحابه ومع ذلك فنقل هذا عن الشافعي فيه شيء من الاضطراب أو إرادة خلاف الظاهر.
دليل الجواز:
استدل المثبتون على الجواز هنا بمثل ما استدلوا على القسم السالف فقالوا إن نسخ السنة بالقرآن ليس مستحيلا لذاته ولا لغيره أما الأول فظاهر وأما الثاني فلأن السنة وحي كما أن القرآن وحي ولا مانع من نسخ وحي بوحي لمكان التكافؤ بينهما من هذه الناحية.
أدلة للوقوع والجواز:
واستدلوا على الوقوع بوقائع كثيرة كل واقعة منها دليل على الجواز كما هي دليل على الوقوع لما علمت من أن الوقوع يدل على الجواز وزيادة.