للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما اختلاف العلماء فيما وراء ذلك فقد وقع على ثلاثة مذاهب:

المذهب الأول مذهب السلف ويسمى مذهب المفوضة بكسر الواو وتشديدها وهو تفويض معاني هذه المتشابهات إلى الله وحده بعد تنزيهه تعالى عن ظواهرها المستحيلة ويستدلون على مذهبهم هذا بدليلين.

أحدهما عقلي وهو أن تعيين المراد من هذه المتشابهات إنما يجري على قوانين اللغة واستعمالات العرب وهي لا تفيد إلا الظن مع أن صفات الله من العقائد التي لا يكفي فيها الظن بل لا بد فيها من اليقين ولا سبيل إليه فلنتوقف ولنكل التعيين إلى العليم الخبير.

والدليل الثاني نقلي يعتمدون فيه على عدة أمور منها حديث عائشة السابق وفيه: فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذرهم

ومنها ما رواه الطبراني في الكبير عن أبي مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتتلوا وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} الحديث.

ومنها ما أخرجه ابن مردويه عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا فما عرفتم منه فاعملوا وما تشابه فآمنوا به".

ومنها ما أخرجه الدارمي عن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له ابن صبيغ١ قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمر وقد أعد له عراجين النخل فقال له:


١ كذلك جاء اسم ابن صبيغ في كتاب الإتقان للسيوطي, بلفظ ابن, ويالغين المجمعة في صبيغ مع صورة التصغير.
ولكني رأيت شيخ الإسلام المالكي بتونس وهو السيد محمد الطاهر بن عاشور, يصوب في بحث له أن اسمه صبغ بن شريك أو ابن عسل التميمي من غير كلمة ابن وبصاد مهملة مفتوحة, وباء مكسورة, وغين معجمة. ثم ذكر بعد هذا التصويت أن كثيرا من الناس يحرفونه فيقولون ضبيع بضاد مجمعة, وعين مهملة, وبصيغة التصغير ثم قال: ويقولون: أبو ضيبغ.

<<  <  ج: ص:  >  >>