للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في كلامهم فإنهم إذا قصدوا إلى توضيح أغراضهم ضاقت ألفاظهم ولم تتسع لاستنباط وتأويل وإذا قصدوا إلى إجمالها لم يتضح ما أرادوه وربما التحق عندئذ بالألغاز وما لا يفيد.

والأمر في هذه الخاصة ظاهر غني بظهوره عن التمثيل وحسبك أن ترجع إلى كتب التفسير ففيها من ذلك الشيء الكثير {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} .

الخاصة السابعة:

قصد القرآن في اللفظ مع وفائه بالمعنى ومعنى هذا إنك في كل من جمل القرآن تجد بيانا قاصدا مقدرا على حاجة النفوس البشرية من الهداية الإلهية دون أن يزيد اللفظ على المعنى أو يقصر عن الوفاء بحاجات الخلق من هداية الخالق ومع هذا القصد اللفظي البريء من الإسراف والتقتير تجده قد جلى لك المعنى في صورة كاملة لا تنقص شيئا يعتبر عنصرا أصليا فيها أو حلية مكملة لها كما أنها لا تزيد شيئا يعتبر دخيلا فيها وغريبا عنها بل هو كما قال الله: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} .

ولا يمكن أن تظفر في غير القرآن بمثل هذا الذي تظفر به في القرآن بل كل منطيق بليغ مهما تفوق في البلاغة والبيان تجده بين هاتين الغايتين كالزوج بين ضرتين بمقدار ما يرضي إحداهما يغضب الأخرى فإن ألقى البليغ باله إلى القصد في اللفظ وتخليصه مما عسى أن يكون من الفضول فيه حمله ذلك في الغالب على أن يغض من شأن المعنى فتجيء صورته ناقصة خفية ربما يصل اللفظ معها إلى حد الإلغاز والتعمية وإذا ألقى البليغ باله إلى الوفاء بالمعنى وتجلية صورته كاملة حمله ذلك على أن يخرج عن حد القصد في اللفظ راكبا متن الإسهاب والإكثار حرصا على أن يفوته شيء من المعنى الذي يقصده ولكن ينذر حينئذ أن يسلم هذا اللفظ من داء التخمة في إسرافه وفضوله تلك التخمة التي تذهب ببهائه ورونقه وتجعل السامع يتعثر في ذيوله لا يكاد يميز بين زوائد المعنى وأصوله.

<<  <  ج: ص:  >  >>