ذلك هين بإزاء ما يقصده القرآن من إنقاذ الإنسانية العاثرة وهداية الثقلين إلى سعادة الدنيا والآخرة فالقرآن كما أسلفنا في المبحث الأول كتاب هداية وإعجاز وعلى هذا فلا يليق أن نتجاوز به حدود الهداية والإعجاز حتى إذا ذكر فيه شيء من الكونيات فإنما ذلك للهداية ودلالة الخلق على الخالق ولا يقصد القرآن مطلقا من ذكر هذه الكونيات أن يشرح حقيقة علمية في الهيئة والفلك أو الطبيعة والكيمياء ولا أن يحل مسألة حسابية أو معادلة جبرية أو نظرية هندسية ولا أن يزيد في علم الطب بابا ولا في علم التشريح فصلا ولا أن يتحدث عن علم الحيوان أو النبات أو طبقات الأرض إلى غير ذلك.
ولكن بعض الباحثين طاب لهم أن يتوسعوا في علوم القرآن ومعارفه فنظموا في سلكها ما بدا لهم من علوم الكون وهم في ذلك مخطئون ومسرفون وإن كانت نيتهم حسنة وشعورهم نبيلا ولكن النية والشعور مهما حسنا لا يسوغان أن يحكي الإنسان غير الواقع ويحمل كتاب الله على ما ليس من وظيفته خصوصا بعد أن أعلن الكتاب نفسه هذه الوظيفة وحددها مرات كثيرة منها قوله سبحانه:{ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} ومنها قوله جلت حكمته: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ , يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} .
ومما يجب التفطن له أن عظمة القرآن لا تتوقف على أن ننتحل له وظيفة جديدة ولا أن نحمله مهمة ما أنزل الله بها من سلطان فإن وظيفته في هداية العالم أسمى وظيفة في الوجود ومهمته في إنقاذ الإنسانية أعلى مهمة في الحياة وما العلوم الكونية بإزاء الهدايات القرآنية؟ أليس العالم الآن يشقى بهذه العلوم ويحترب وينتحر؟ ثم أليست العلوم الكونية هي التي ترمي الناس في هذه الأيام بالمنايا وتقذفهم بالحمم وتظهر لهم على أشكال مخيفة مزعجة من مدافع رشاشة ودبابات فتاكة وطائرات أزازة وقنابل مهلكة وغازات