كان يتحرق شوقا إلى تحويل القبلة إلى الكعبة ومن أجل ذلك كان يقلب وجهه في السماء تلهفا إلى نزول الوحي بهذا التحويل ولقد طال به الأمر سنة ونصف سنة وهو يستقبل بيت المقدس فلو كان القرآن من وضعه لنفس عن نفسه وأسعفها بهذا الذي تهفو إليه نفسه ويصبو إليه قومه لأن الكعبة في نظرهم هي مفخرتهم ومفخرة آبائهم من قبلهم.
ثانيها حادث الإفك وهو من أخطر الأحداث وأشنعها لم ينزل القرآن فيه إلا بعد أن مضى على الحادث قرابة أربعين يوما على حين أنه يتصل بعرض الرسول وعرض صديقه الأول أبي بكر وقام على اتهام أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق ورميها بأقذر العار وهو عار الزنى فلو كان القرآن كلام محمد ما بخل على نفسه بتلك الآيات التي تنقذ سمعته وسمعة زوجه الحصان الطاهرة ولما انتظر يوما واحدا في القضاء على هذه الوشايات الحقيرة الآثمة التي تولى كبرها أعداء الله المنافقون اقرأ قوله سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} - إلى قوله - {أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} في سورة النور ثم حدثني بعد قراءتها ألم يكن الواجب على محمد صلى الله عليه وسلم أن يعجل الحكم بهذه البراءة لو كان الأمر إليه خصوصا أنه قد علم الناس وجوب الدفاع عن العرض ولو بالنفس؟ ثم أخبرني ألا ترى فارقا كبيرا بين هذه اللغة الجريئة القاطعة المنذرة والمبسرة التي صيغت بها آيات البراءة وبين لغة الرسول الحذرة المتحفظة التي رويت عنه في هذه الحادثة إن كنت في شك فأمامك آيات البراءة وهاك كلمتين مما أثر عنه في هذا الأمر الجلل ورد أنه قال حين طال الانتظار وبلغت القلوب الحناجر إني لا أعلم إلا خيرا وورد أنه قال قبيل الساعة التي نزلت فيها آيات البراءة يا عائشة أما إنه قد بلغني كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله.
فهل يجوز في عقل عاقل أن يكون صاحب هذا الكلام هو صاحب آيات البراءة؟