للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الشرع، واحتج بآية سورة النحل وبمذهب من جعل الإيمان والإسلام يتواردان على حقيقة واحدة، وإن اختلف مفهومهما، أما الآية: فمعناها أنهم جحدوا بالآيات في ظاهر الأمر ظلماً من أنفسهم وعلواً واستكباراً عن اتباع الحق، ولم يقروا بها والحال أنهم تيقنوا أنها من عند الله ١. أي أنهم رفضوا الدخول في الإيمان أصلاً لهذا السبب.

وأما القياس الذي ذهب رشيد رضا من الاتفاق على كفر من جحد معلوماً من الدين بالضرورة، فهو كما قال: متفق عليه ٢، ولكن قياسه ذلك غير صحيح فإنه قياس مع الفارق بين المستحل وغيره، فإن الشارع لم يكتف من المكلف في العمليات بمجرد العمل دون العلم ولا في العلميات بمجرد العلم دون العمل، وليس العمل مقصوراً على عمل الجوارح، بل أعمال القلوب أصل لعمل الجوارح، وأعمال الجوارح تابعة لها، فمعنى "يستحله": لا بد أن يضمن معنى يعتقده أو نحو ذلك، والاعتقاد والاستحلال بهذا المعنى لا يعرف من الشخص بمجرد العمل، فإن العاملَين قد يكونا فعلا المعصية الواحدة ولكل واحد منهما حكم، باعتبار الاستحلال وعدمه. فمعتقد حل الزنا يكفر ولو لم يزنِ. والزاني لا يكفر بزناه وإن تكرر ما لم يستحله، والاستحلال لا يعرف بمجرد الفعل ولا بد في معرفته من أن يعرب عنه لسانه ٣. ولا خلاف بين المسلمين أن الرجل لو أظهر إنكار الواجبات الظاهرة المتواترة والمحرمات الظاهرة المتواترة ونحو ذلك فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافراً مرتداً ٤.


١ انظر: الزجاج: معاني القرآن (٤/١١١٤) ط. عالم الكتب، الأولى ١٤٠٨هـ، وابن كثير: التفسير (٣/٣٤٥) ، وأبو السعود: إرشاد العقل السليم (٦/ ٢٧٥) ط. دار إحياء التراث، بيروت. والجمل: الفتوحات الإلهية (٣/ ٣٠١) ط. دار إحياء التراث، بيروت، وصديق حسن خان: فتح البيان (٧/ ٧١)
٢ انظر: ابن تيمية: مجموع الفتاوى (١١/ ٤٠٥)
٣ استفدت هذا من مناقشة مع فضيلة الشيخ عبد المحسن العباد وابنه وتلميذه أستاذي الدكتور عبد الرزاق العباد. وانظر: ابن أبي العز: شرح الطحاوية (ص:٣١٧)
٤ انظر: ابن أبي العز: شرح الطحاوية (ص:٣١٦ ـ ٣١٧)

<<  <   >  >>