للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبمثل هذا الرأي قال محمد عبده الشيخ الأخير لرشيد رضا "إن الأستاذ الإمام لم ينف كون آدم أبا البشر كلهم ولا قال: إن القرآن ينبغي أن يؤول ليوافق دارون أو غيره، ولا قال: إنه قد ثبت رأي الذين ينفون كون آدم أباً لجميع البشر ثبوتاً قطعياً.. وإنما قصارى رأيه أنه إذا ثبت ما يقولون لم يكن ذلك مخالفاً للقرآن فيكون شبهة على الإسلام.. وإنما فهم الآية وأمثالها فهماً لا يرد عليه اعتراض ولا مجال له للطعن في القرآن في هذه المسألة.." ١. يعني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ... } ٢.

فإذا كان هذا رأي هذين الشيخين لرشيد رضا فهل تابع هو أيضاً شيخيه في ذلك؟ لقد اتهم رشيد رضا بمحاولة تطبيق القرآن على مذهب دارون وإنكار أبوة آدم ـ عليه السلام ـ للبشر وتأويل الآيات التي تشير إلى هذا المعنى لأجل إثبات رأيه ٣.

عند قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} ٤، نقل رشيد رضا تفسير محمد عبده لها، وهو قوله:"ليس المراد بالنفس الواحدة آدم بالنص ولا بالظاهر، فمن المفسرين من يقول: إن كل نداء مثل هذا يراد به أهل مكة أو قريش، فإذا صح هذا هنا جاز أن يفهم منه بنو قريش، أن النفس الواحدة هي قريش أو عدنان، وإذا كان الخطاب للعرب عامة جاز أن يفهموا منه أن المراد بالنفس الواحدة: يعرب أو قحطان، وإذا قلنا: إن الخطاب لجميع أهل الدعوة إلى الإسلام، أي لجميع الأمم فلا شك أن كل أمة تفهم منه ما تعتقده، فالذين يعتقدون أن جميع البشر من سلالة آدم يفهمون أن المراد بالنفس الواحدة آدم، والذين يعتقدون أن لكل صنف من أصناف البشر


١ مجلة المنار (١٣/ ٢٢ـ ٣٢) وقد قال: ذلك جواباً لمعترض على تفسير محمد عبده في سورة النساء: الآية الأولى منها.
٢ سورة النساء، الآية (١)
٣انظر: مجلة المنار (٣٣/٥٨ـ ٦٤)
٤ سورة النساء، الآية (١)

<<  <   >  >>