للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أصولهما ويسيرا على صراطهما، ويدعون الناس إلى ذلك. نقول في الجواب: إن دين اليهود كان خاصاً بشعب إسرائيل، وهم المخاطبون بالتوراة دون من سواهم، لعلم الله تعالى أن هذا الكتاب يصلح لهدايتهم وحدهم في زمانهم الذي أنزل فيه وبعده إلى أجل مسمى. وبعد ذلك أفسد بنو إسرائيل في الأرض فسلط الله عليهم الوثنيين فسبوهم وخربوا ديارهم وأحرقوا كتابهم ... ولولا أن الله أخبرنا في كتابه بأن اليهود نسوا حظاً مما ذكروا به لا جميع ما ذكروا به، ولولا أنه احتج عليهم بعدم العمل بالتوراة والحجة تقوم ببعض كلام الله تعالى كما تقوم به كله ـ لما صدقنا كلمة واحدة من كتبهم ولا وثقنا بحكم واحد من أحكام شريعتهم. وحاصل القول: أن الله تعالى لم يجعل التوراة منذ شرعها هداية عامة مرشدة لجميع البشر إلى كمال الفطرة فكيف تصلح لذلك بعدما طرأ عليها وعلى الناس ما طرأ؟

وأما السيد المسيح عليه السلام فإنه لم يأت بدين جديد وإنما ديانته اليهودية وشريعته التوراة، ولكنه كان مكملاً لأن اليهود جمدوا على ظواهر الشريعة حتى صاروا كالماديين، فأرسله الله "إلى خراف إسرائيل الضالة" ... وأما "الديانة البولسية" التي انتشرت في أوروبا بتعليم بولس ١ ثم مساعدة قسطنطين ومن بعده من الملوك ... فهي لا تنطبق على ما قلناه سابقاً في وجه حاجة البشر إلى إرسال الرسل لهدايتهم إلى سعادة الدنيا والآخرة، بتربية الروح والجسد وليس فيها قاعدة واحدة من قواعد الفطرة، وإنما هي عبارة عن شيء واحد، وهو الإيمان بالمسيح على الوجه الذي يقولونه وأنه لا حاجة مع هذا الإيمان إلى العمل بالشريعة ... " ٢.

وإذن لم يكن وجود هذين الدينين كافياً ومغنياً عن بعثة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم.


١ هو: أحد تلامذة الحواريين، ادعى الإيمان بعد محاربة تلامذة المسيح، وبذل جهوداً كبيرة في تطوير المسيحية، ونجح في ذلك. انظر: شارل حينيبير: المسيحية نشأتها وتطورها (ص:١٠١) وما بعدها ترجمة د. عبد الحليم محمود، ط. المكتبة العصرية بيروت.
٢ مجلة المنار (٥/ ٣٣٣ ـ ٣٣٤)

<<  <   >  >>