للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بين نبينا صلى الله عليه وسلم وبين من سبقه من الأنبياء للوصول إلى حقيقة عالية هي: أن النبوة أولى بنبينا صلى الله عليه وسلم من غيره، وإذا لم تثبت نبوته فلا تثبت نبوة نبي قبله.

فالمقارنة الأولى التي عقدها الشيخ رشيد كانت بين نبينا وبين موسى ـ صلى الله عليهما ـ فقال: "فأما الأول الخاص بشخص الرسول، فإن العاقل المستقل الفكر إذا عرف تاريخ محمد صلى الله عليه وسلم وتاريخ أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام، فإنه يرى أن محمداً قد نشأ أمياً لم يتعلم القراءة والكتابة، وأن قومه الذين نشأ فيهم كانوا أميين وثنيين جاهلين بعقائد الملل وتواريخ الأمم وعلوم التشريع والفلسفة والأدب، حتى إن مكة عاصمة بلادهم وقاعدة دينهم ومثوى كبرائهم ورؤسائهم، ومثابة الشعوب والقبائل للحج والتجارة فيها، والمفاخرة بالفصاحة والبلاغة في أسواقها التابعة لها لم يكن يوجد فيها مدرسة ولا كتاب مدون قط، فما جاء به من الدين التام الكامل والشرع العام الجامع، لا يمكن أن يكون مكتسباً ولا أن يكون مستنبطاً بعقله وفكره، كما بيناه من قبل ... ويرى تجاه هذا أن موسى ـ عليه السلام ـ أعظم أولئك الأنبياء في علمه وعمله، وفي شريعته وهدايته، قد نشأ في أعظم بيوت الملك لأعظم شعب في الأرض وأرقاه تشريعاً وعلماً وحكمة وفناً وصناعة، وهو بيت فرعون مصر، ورأى قومه في حكم هذا الملك القوي القاهر مستعبدين مستذلين تذبح أبناؤهم وتستحيا نساؤهم، تمهيداً لإبادتهم ومحوهم من الأرض، ثم إنه مكث بضع سنين عند حميه في مدين وكان نبياً ـ أو كاهناً كما يقولون ـ فمن ثم يرى منكرو الوحي أن ما جاء به موسى من الشريعة الخاصة بشعبه ليس بكثير على رجل كبير العقل عظيم الهمة، ناشئ في بيت الملك والتشريع والحكمة إلخ ... ثم يرى الناظر أن سائر أنبياء العهد القديم كانوا تابعين للتوراة متعهدين بها، وأنهم كانوا يتدارسون تفسيرها في مدارس خاصة بهم وبأبنائهم مع علوم أخرى، فلا يصح أن يذكر أحد منهم مع محمد ذكر موازنة ومفاضلة، ويرى أيضاً أن يوحنا المعمدان الذي شهد المسيح بتفضيله عليهم كلهم ١ لم يأت بشرع


١ انظر: متَّى (١١/ ١١)

<<  <   >  >>