للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن "باي نجم" قد خلف والده "بي عنخ" في رئاسة الكهنوت وتزوج من ابنة "بسوسنس الأول". وقد سارت البلاد من سيئ إلى أسوأ وتقلصت مملكة الشمال كما بدأ نفوذ الكهنة في الاضمحلال أيضًا، وكانت مصر قد فقدت مستعمراتها في آسيا ولم يعد لها أي نفوذ فيها منذ زمن، ولعل أصدق ما يصور لنا حالة التدهور التي وصلت إليها البلاد وزوال كل أثر للنفوذ المصري في الأقطار الآسيوية, قصة المبعوث "وينامون" الذي أرسله "حريحور" إلى لبنان لإحضار خشب الأرز اللازم لصنع سفينة آمون المقدسة؛ إذ يبين لنا هذا المبعوث كيف أنه ذهب إلى الملك في الشمال كي يساعده بالمال اللازم ولم يحظَ منه إلا بقدر يسير, كما يبين لما مدى ما تعرض له من صعوبات وكيف نهبت أمواله وأمتعته, وأنه لم يقابل من حكام سورية ولبنان إلا بالازدراء والاحتقار مع أنه كان يذكر لهم بأنه مبعوث من قِبَل فرعون مصر ورئيس كهنتها بعد أن كان مجرد ذكر اسم الفرعون فيما مضى كفيل بأن يبث الرعب في نفوس ملوك آسيا, ويجعل أمراء سورية ولبنان يسارعون بتقديم كل فروض الطاعة والولاء.

ومما زاد حالة البلاد المصرية سوءًا وخاصة في الجنوب أن رئيس الكهنة كان يحكم الناس باستلهام وحي آمون الذي كان يستشيره في كل أمر وتسلط السحر والشعوذة على أفهام الناس حتى توهم السذج والبسطاء أن الإرادة الإلهية التي يصدرها آمون كافية لتصريف الأمور كلها، ولم يقم رؤساء الكهنة أو حكام طيبة بأي عمل جليل يذكر سوى مساهمتهم في نقل جثث الملوك السابقين من مخبأ إلى آخر خشية السرقة بعد أن عجزوا تمامًا عن حفظ الأمن، ومع هذا فقد تمتعوا بسلطة روحية كبيرة مكنتهم من التدخل في كثير

<<  <   >  >>