لم يتمكن البحاثة مع الأسف من الوصول إلى المناطق شديدة الجدب والقيام فيها بأبحاث تنير لنا السبيل عن عصورها القديمة, ولكن بعثات قليلة قامت ببعض الأبحاث في جنوب شبه الجزيرة كشفت عن وجود آلات من الصوان في حضرموت تشبه كثيرًا آلات العصر الحجري القديم في شرق إفريقيا, ومع هذا فإن الاختلافات القليلة التي تبدو في آلات كل من المنطقتين قد أدت إلى اختلاف وجهات النظر بين الباحثين؛ فمنهم من يرى أن التقدم الذي طرأ على الآلات الحجرية في أفريقيا يوحي بأن الحضارة التي أنتجت هذه الآلات نشأت في شبه الجزيرة ثم انتقلت منها إلى أفريقيا؛ بينما يرى البعض الآخر أن آلات شبه الجزيرة لا تكاد تختلف عن آلات شرق إفريقيا في أقدم صورها؛ ولذا فإنهم يذهبون إلى أن شرق أفريقيا كان مهدًا لثقافة مركزية تفرعت منها ثقافات متعددة إلى جهات مختلفة من أفريقيا وآسيا, وأن من المحتمل أن الحضارات الآسيوية بصفة خاصة "ومن بينها حضارات شبه الجزيرة" قد انفصلت عن حضارات شرق إفريقيا بعد فترة, وهؤلاء الباحثون جميعًا يستدلون على نشأة هذه الحضارات في مكان ما "من تلك التي أشرنا إليها" تم انتقالها إلى الأماكن الأخرى بما لاحظوه من عدم استقرار تشابه آلاتها بعد تطورها.
ولا يمكن أن نحدد الزمن الذي استمر فيه استعمال آلات العصر الحجري القديم في شبه الجزيرة, بل ولم يعثر حتى الآن على آثار من العصر الحجري الحديث فيها؛ كذلك لا يمكن في حالة معلوماتنا الراهنة أن نحدد الزمن الذي بدأ فيه العصر التاريخي في شبه الجزيرة، وكل ما يمكن أن يقال في هذا الصدد هو أن أجزاءها المختلفة لم تبدأ عصرها التاريخي في وقت واحد, وأن من المرجح أن الركن الجنوبي الغربي منها "اليمن" وإقليم عمان ومنطقة حضرموت كانت أسبق هذه الأجزاء في الوصول إلى عصورها التاريخية.