ومن المسلم به أن شبه الجزيرة تعد بيئة طرد لا يرغب الإنسان في البقاء بها إذا ما ساءت الظروف -وكثيرًا ما كان يحدث ذلك- فهناك من الأدلة ما يشير إلى خروج عدة هجرات منها إلى المناطق المجاورة في العراق وسورية وغيرهما، وهي المسئولة عن تحركات العناصر السامية التي كان لها أكبر الأثر في تاريخ إقليم الشرق الأدنى من أقدم العصور؛ فمن المرجح أن هجرة سامية خرجت منها في منتصف الألف الرابع قبل الميلاد إلى الشمال الشرقي واختلطت بالسومريين ونشأت عن ذلك الدولة الأكدية التي أسسها سرجون الأكدي في بلاد النهرين "حوالي سنة ٢٣٧١ ق. م" بعد زوال سلالة أور الثالثة التي كانت آخر دولة للسومريين في العراق؛ حيث انفرد الساميون بالزعامة السياسية فيه، وفي منتصف الألف الثالثة ق. م. خرجت منها هجرة أخرى جاءت بالأموريين إلى سهول سورية الشمالية وبالكنعانيين إلى السهل الساحلي فيها، وقد أطلق اليونان على هؤلاء اسم الفينيقيين. وفيما بين عامي ١٥٠٠، و١٢٠٠ ق. م. خرجت منها جماعات الآراميين الذين انتشروا في الجزء الشمالي من سورية والعبرانيين الذين استقروا في جنوبها، وفي حوالي سنة ٥٠٠ ق. م. خرج منها الأنباط إلي شمال شرقي شبه جزيرة سيناء وأسسوا دولة كانت تدمر عاصمتها في أيام الرومان.
ورغم صعوبة التعرف على تاريخ شبه الجزيرة قبل الكتابة؛ فإن وجود بعض مصنوعات في العراق وبعض الجهات الأخرى من المواد التي جلبت من شبه الجزيرة, يدل على وجود صلات بينها وبين تلك الجهات من أقدم العصور، ومن أمثلة ذلك أن سكان بلاد النهرين جلبوا من بعض أجزاء الجزيرة أحجارًا ومعادن منذ عصور ما قبل التاريخ؛ فقد جلبوا النحاس الخام من عمان وحجر الأبسديان من شرق شبه الجزيرة، ومن المحتمل كذلك أن المصريين في عصورهم