إلى الجنوب منها حيث وجدت أن لا فائدة ترجى لها من الاتجاه شمالًا. وهكذا نجد أن الوضع السياسي في مصر أصبح يتركز في الوجه البحري؛ حيث أدى هذا إلى ظهور مدن جديدة، ونظرًا لكثرة وجود اليونانيين في مصر بدأ اهتمام العالم اليوناني بأحوال مصر وحضارتها؛ فإلى ذلك العهد ترجع معظم الكتابات اليونانية عنها, ومنها نتبين أن اليونانيين ذهلوا حينما وجدوا أن أمة أخرى غيرهم لها حضارة لا تقل عن حضارتهم إن لم تكن أرقى منها, واعتبروا المصريين شعبًا غاية في الغرابة, ووصفوا أحوالهم وأطوارهم بكل دقة وإن كانوا قد أخطئوا في تفسير بعض مشاهداتهم عن مظاهر الحضارة المصرية.
وقد وجد بسماتيك أن في مقدوره محاولة إعادة السيطرة المصرية على فلسطين وسورية؛ ولكنه اضطر لوقف أعماله لظهور السيثيين١ على المسرح الدولي؛ إذ استطاع هؤلاء الزحف على أشور وأصبح خطرهم يتهدد مصر؛ ولكن بسماتيك تمكن من إرجاعهم عنها ولا نعرف كيف تم له ذلك؟ وهل لجأ إلى رشوتهم أم أنه استطاع التغلب عليهم؟ هذا وقد حكم بسماتيك حوالي أربعة وخمسين عامًا عادت البلاد أثناءها إلى حالة من النهوض والرخاء, لم تشهدها منذ أيام رعمسيس الثاني وتولى بعده ولده "نكاو".
وفي تلك الأثناء وصلت أشور إلى منتهى الضعف وكانت سورية وفلسطين أضعف من أن تقفا أمام أي غزو أجنبي, وعلى ذلك تقدم نكاو نحوهما للاستيلاء عليهما، ولما تأهب اليهود لمقاومته أسرع بإخضاعهم كما أخضع سورية, وتقدم إلى الفرات خشية أن تسترد آشور ملكها مفضلًا أن يبدأ بمهاجمتها، ولما لم يجدها مستعدة لذلك عاد إلى مصر مفضلًا عدم الاستيلاء على نينوى، وقد نسب نكاو
١ السيثيون "Scythians": قبائل بربرية كانت تتكلم لغة هندو أوروبية, وكانت تعيش في جنوب روسيا شرق بحر آرال, وكانوا حلفاء للأشوريين في أول الأمر ولكنهم خانوهم وانضموا إلى أعدائهم ملك بابل وملك ميديا؛ حيث اشتركوا في إسقاط نينوى ٦١٣ ق. م.