وجود أيهما مستقلًّا عن الآخر, أو أن أهل هذا الموقع اعتمدوا في حياتهم على أحدهما فقط. ومع أن الجماعات التي تعتمد على الرعي وحده تنتشر في العالم الآن؛ إلا أنه لا شك في أن حياة الرعي لم تستقر كنظام يتبع إلا في فترة متأخرة نسبيًّا، أي: بعد مرور بضعة آلاف من السنين على وجود أول مجتمع اعتمد في حياته على الزراعة المختلطة بالرعي.
ومع أن ممارسة الزراعة والمعيشة في قرى مستقرة تعد أولى علامات ثورة الدور الحجري الحديث إلا أن مظاهر حضارية أخرى غالبًا ما تشترك معها ولا بد من الإشارة إليها كمميزات عامة لحضارة الدور الحجري الحديث، ومن هذه: الفئوس المصقولة المصنوعة من الصخور النارية أو الصوان والمنجل المستقيم أحيانًا؛ على أن صناعة الفخار والنسيج سرعان ما برزت أهميتها، وأصبحت أهم ما أوجدته حضارة الدور الحجري الحديث؛ ولكنها مع ذلك من المميزات الثانوية التي تعد من مقتضيات حياة الزراعة بما فيها من جديد.
وكان لا بد لإنسان الدور الحجري الحديث بعد أن يبذر بذوره من أن تتعلق آماله بما تجود به الطبيعة؛ ولذا كان من السهل أن يعتقد أن الأرض ما هي إلا إلهة للخصب والنماء، وتطلع إلى ما حوله من كائنات بحثًا عمن يحاكي هذه الأرض الطيبة؛ فلم يجد خيرًا من الأم الرءوم تحنو على أبنائها، وهكذا شبه الأرض بالأم وتعبد إليها؛ حيث رمز إليها بتماثيل في هيئة آدمية على شكل امرأة في غالب الأحيان, أو في هيئة الحمام أحيانًا١.
وبالطبع لم يقف التطور الحضاري عند الدور الحجري الحديث؛ بل أخذ الإنسان ابتداء من هذا الدور يسرع الخطا نسبيًّا في تطوره الحضاري؛ لأن حياة الزراعة هيأت للإنسان الطمأنينة والأمن أكثر من ذي قبل, إذ كفلت له الرزق