السفلى والعليا قبل ظهور الكتابة بزمن طويل, أي إن سهولة الاتصال بين الجماعات التي عاشت فيها قد مكنت من تعاونهم واتحادهم فانضموا تحت لواء هاتين الوحدتين الكبيرتين، أما في الحالة الثانية "بيئة بلاد النهرين"؛ فقد كانت صعوبة الاتصال نسبيًّا سببًا في تكوين عدد من المدن تحكم كلًّا منها حكومة معينة، ويرى البعض أن بلاد النهرين توصلت منذ نهاية عصر التمهيد للكتابة إلى إيجاد نوع من الحكم الديمقراطي؛ إذ فرضت ظروف البيئة "التي كانت عرضة للكثير من الفيضانات والأعاصير وإغارات الشعوب المجاورة" نوعًا من التنظيم الاجتماعي؛ وذلك لمواجهة خطر مشترك أو للرغبة في نفع مشترك؛ كالتحكم في مياه الأنهار واستغلالها وتحالف بعض المدن ضد القوى المعادية التي تهدد كيانها.
وكان التوصل إلى بعض مظاهر الحضارة في كل من مصر والعراق: إحداهما قبل الأخرى؛ مما جعل الأثريين والمؤرخين يختلفون فيما بينهم على أي الدولتين كانت أسبق من الأخرى في ميدان الحضارة؛ ولكن لم يمكن حتى الآن إثبات أسبقية حضارة إحداهما بصفة مؤكدة، كما أنه لا يوجد من الأدلة القاطعة ما يكفي لإثبات أن الحضارة قد انتقلت من إحداهما إلى الأخرى, وخاصة في تلك المرحلة السحيقة في القدم.