وتكثر بها المستنقعات وتتخللها البحيرات والقنوات، وهذه المساحات الواسعة من الأراضي الزراعية بعيدة في معظمها عن الصحارى. وكذلك يتميز الوجه البحري عن الوجه القبلي بأنه أقرب منه نسبيًّا إلى آسيا وأوروبا؛ ولذا كانت الحضارات التي نشأت في كل من هذين الإقليمين تتسم بمظاهر خاصة تجعلنا نميز فيما بينهما، وتعد الفيوم أشبه بواحة في الصحراء بين هذين القسمين من مصر؛ ولكن نظرًا لأنها أقرب إلى الوجه البحري فقد اشتركت حضارتها "في صفاتها" مع حضاراته أكثر من اشتراكها مع حضارات الوجه القبلي؛ ولذا ألحقناها به وإن كنا نميل إلى جعلها حضارة قائمة بذاتها.
وتمثل هذا الدور "العصر الحجري الحديث" في الوجه القبلي حضارتا ديرتاسا "التاسية" والبداري، وفي الوجه البحري حضارات حلوان الأولى "العمري" ومرمدة بني سلامة, ومع أن كلًّا منها تنفرد بمميزات خاصة إلا أنها جميعًا تشترك في تقدم صناعة الفخار وصقل الآلات الحجرية، ومن المخلفات التي عثر عليها أمكن التوصل إلى أن المستنقعات كانت تسود الدلتا والأحراش كانت منتشرة في الوجه القبلي, وأن الحيوانات الكبيرة الحجم كالزراف والضباع وأفراس النهر كانت مألوفة لدى المصريين, وسنتكلم بإيجاز عن كل حضارة على حدة.